فقال له عمر : ما خراجك بكثير في كنه ما تحسن من الأعمال . فمضى عنه وهو يتذمر .
ومر بعمر يوماً وهو قاعد ، فقال له عمر : الم أحدَّث عنك أنك تقول : لو شئت أن أصنع رحاً تطحن بالريح ، لفعلتُ ؟!
فقال ابو لؤلؤة : لأصنعن لك رحاً يتحدث الناس بها ! ثم ولى عنه .
فقال عمر : أما العلج فقد توعدني آنفاً ! (١)
وأخذ أبو لؤلؤة خنجراً ذا رأسين ، وشحذه وسمّه « فاشتمل عليه ، ثم قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد في الغلس ، فلم يزل هناك حتى خرج عمر ، فلما مرّ به طعنه ثلاث طعنات ، إحداهن تحت سرته ، وهي التي قتلته . وطعن إثني عشر رجلاً من أهل المسجد ، فمات منهم ستة وبقي ستة ، ثم نحر نفسه بخنجره فمات .
ونقل الخليفة إلى داره مضرجاً بدمائه ، وأحب في تلك اللحظات الصعبة أن يكتشف ما إذا كانت عملية الإِغتيال هذه قد أتت عن أمر دُبّر بليل ، أو أنها كانت مجرد حقد شخصي من أبي لؤلؤة . فأمر مناديه ، فنادى بالناس .
« أعن ملأٍ ورضىً منكم كان هذا ؟
فقالوا : معاذ الله ، ما علمنا ولا إطلعنا ! » (٢)
وأقبل الطبيب ينظر جراح الخليفة التي أخذت تنزف ، علّه يجد بلّاً لها أو شفاء ، فأراد أن يعرف ما إذا كانت الطعنات قد نفذت في أمعائه وأحشائه ، أو أنها كانت دون الصفاق (٣) ، فنظر الى عمر وقال :
____________________
(١) : مروج الذهب ٢ / ٣٢٠ .
(٢) : الإِمامة والسياسة ١ / ٢٦ .
(٣) : الصفاق : الجلد الأسفل الذي تحت الجلد الذي عليه الشعر .