فإنه كان لا يتوانى في توجيه النقد له وإيقافه على الأخطاء التي يرتكبها ، أو التي تُرتكب في حضرته .
من ذلك : أن عثمان بينما كان جالساً ذات يوم وحوله بعض وجوه قريش ، إذ أقبل رجلٌ أحسبه كان شاعراً يتكفف اعطيات الملوك ، فجعل يمدح عثمان ، وكان المقداد حاضراً ، فجثا على ركبتيه وجعل يحثو الحصباء في وجه ذلك الرجل ! وتعجب عثمان من تصرف المقداد هذا ، والتفت إليه قائلاً : ما شأنك ؟
فقال : قال رسول الله ( ص ) إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ! (١)
إن
حادثة بسيطة من هذا النوع ـ في نظري ونظرك ـ هي غاية في الخطورة إذا صدرت في مجلس كمجلس الخليفة ، لأنها خرق واضح للسنة ، لا يمكن لصحابي كالمقداد أن يسكت عليها ، فما ظنك إذن بما هو أعظم من هذا وأفظع ؟! كتعطيل الحدود ، واقرار الأيدي العادية . والإِسراف في مال الله ووضعه في غير مستحقيه ، كإعطاء مروان خمس خراج إرمينية ! واقطاعه فدك *
وكانت فاطمة بنت الرسول قد
____________________
(١) : كما جاء في صحيح مسلم ج ٤ ك ٥٣ ح ٦٩ عن همام بن الحارث قال : إن رجلاً جعل يمدح عثمان ، فعمد المقداد فجثا على ركبتيه ـ وكان رجلاً ضخماً ـ فجعل يحثو في وجهه الحصباء ، فقال له عثمان : ما شأنك ؟ قال : إن رسول الله ( ص ) قال : إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب .
* : فدك : قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان ، أفاءها الله على رسوله ، فكانت خالصةً له لأنه لم يُوجَف عليها بخيل ولا ركاب . وذلك : أن النبي ( ص ) بعد فراغه من غزوة خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، فبعثوا الى الرسول ( ص ) انهم مستعدون لتسليمه الأرض وما يملكونه على أن يحقن دماءهم ، وعرضوا عليه ان يعملوا في الأرض بنصف الناتج ، فصالحهم على ذلك . ( راجع معجم البلدان ٤ / ٢٣٨ إلى ٢٤٠ ) وغيره .