من أصابها من الناس (١) .
هذا موقف لأبي معبد ينطوي على شيء من الظرف وخفة الروح ، بالإِضافة إلى إستشعاره الخطيئة حين عمد إلى شراب محمد ( ص ) فشربه ، ولاحظنا أن موقف النبي منه كان موقف الشفيق العطوف الرحيم الذي ينظر إلى أصحابه بميزان خاص يتلائم مع عقولهم ونفوسهم ، وربما تلاحظ معي أن الرسول الكريم ـ كما يظهر من الحديث ـ تمنى لو أن المقداد أيقض صاحبيه ليصيبا معهما الشراب ، شراب ذلك اللبن المبارك .
وموقف آخر لأبي معبد مع الرسول ، تتجلى فيه عظمة الإِسلام ، ونبي الإسلام ، كان من جملة المواقف التي خلدت على الزمان بما تحمل من نبل كلمة وسمو خلق ، ورفيع مستوى في التوجيه والتهذيب ، بل وغرس الروح الإِنضباطية لدى المسلم .
فقد سأله ذات مرة : يا رسول الله ، أرأيتَ إن لقيتُ رجلاً من الكفار ، فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف ، فقطعها ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت لله ؛ أفأقتله ـ يا رسول الله ـ بعد أن قالها ؟!
قال رسول الله ( ص ) : لا تقتله .
قال : فقلت : يا رسول الله ، انه قطع يدي ! ثم قال ذلك بعد أن قطعها ، أفأقتله ؟
قال رسول الله ( ص ) : لا تقتله . فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ! وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال . ! (٢)
ويلاحظ
هنا مدى ارتقاء الإِسلام بالنفس البشرية إلى آعالي قمم الكرامة
____________________
(١) : صحيح مسلم ج ٣ ك ٣٦ ص ١٦٢٥ ـ ١٦٢٦ ح ١٧٤ .
(٢) : صحيح مسلم ج ١ ك ١ ص ٩٦ ح ١٥٥ ـ ١٥٦ ـ ١٥٧ .