إبراء لمن عليه الدّين، و لا يشترط قبول المديون.
و الشيخ رحمه اللّه تردّد هاهنا، فقال تارة: إنّ الإبراء لا يفتقر إلى القبول، بل يسقط الحقّ عن ذمّته و إن كره ذلك؛ لقوله تعالى: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ (١) فاعتبر مجرّد الصدقة، و لم يعتبر القبول، و قال تعالى: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا (٢) فأسقط الدية بمجرّد التصدّق، و لم يعتبر القبول، و التصدّق في هذا الموضع الإبراء.
و قال تارة: لا بدّ من القبول، فلو لم يقبل المبرأ الإبراء لم يسقط الدّين عن ذمّته بمجرّد إسقاط المالك و إبرائه، و يكون الحقّ ثابتا؛ لأنّ في إبرائه من الحقّ الذي عليه منّة، و لا يجبر على قبول المنّة، فافتقر إلى القبول، كهبة الأعيان(٣).
و للشافعيّة قولان كهذين، أحدهما: السقوط من غير قبول؛ لأنّه إسقاط حقّ، فلا يفتقر إلى القبول، كالعتق و الطلاق و العفو عن دية العمد، بخلاف هبة الأعيان؛ فإنّها تمليك(٤).
و قال بعض الشافعيّة: إذا تصدّق به صحّ، و أمّا هبته و البراءة منه فوجهان(٥).
و قال بعض الشافعيّة أيضا: إن اعتبرنا القبول في الإبراء معنى فاعتبارهه.
١- سورة البقرة: ٢٨٠.
٢- سورة النساء: ٩٢.
٣- المبسوط - للطوسي - ٣١٤:٣.
٤- المهذّب - للشيرازي - ٤٥٥:١، حلية العلماء ٦٤:٦، التهذيب - للبغوي - ٤: ٥٢٩، البيان ١٢٣:٨، روضة الطالبين ٤٣٦:٤.
٥- لم نتحقّقه في مظانّه.
في الهبة أولى، و إن لم نعتبره هناك ففي الهبة وجهان: إن نظرنا إلى اللفظ اعتبرناه، و إن نظرنا إلى المعنى فلا(١).
و لو كانت الهبة من غير من عليه الدّين، قال الشيخ رحمه اللّه: الذي يقتضيه مذهبنا أنّه يجوز بيعه و هبته و رهنه، و لا مانع منه(٢).
و قال الشافعي في كتاب الشروط: إنّه يجوز بيعه و رهنه(٣).
و قال في الرهن: لا يجوز رهنه، و يخالف البيع و الهبة؛ لأنّهما يزيلان الملك(٤).
قال ابن سريج من الشافعيّة: اختلف أصحابنا في ذلك على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنّه يصحّ البيع و الهبة دون الرهن على ظاهر قوله؛ لأنّ الدّين بمنزلة العين، و لهذا يصحّ أن يكون معاوضة به.
و على هذا الوجه لا يفتقر إلى رضا من عليه الدّين، و لا يحتاج إلى القبض لا في البيع و لا في الهبة؛ لأنّ الشافعي شبّه ذلك في كتاب الشروط بالحوالة، فقال: إذا أفلس من عليه الحقّ أو جحده لم يرجع بالدرك، كالحوالة.
و فرّق هذا القائل بين الهبة و البيع و بين الرهن بأنّهما يزيلان الملك دونه.
و الوجه الثاني: أنّه يصحّ(٥) البيع و الهبة و الرهن، و يفتقر لزوم الرهنه.
١- العزيز شرح الوجيز ٣١٧:٦.
٢- المبسوط - للطوسي - ٣١٤:٣.
٣- لم نتحقّقه في مظانّه.
٤- لم نتحقّقه في مظانّه.
٥- في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «لا يصحّ». و الصحيح ما أثبتناه.