عطيّة فيرجع فيها إلاّ الوالد فيما وهب لولده»(١) و لأنّها هبة لغير ولده، فلم يكن له الرجوع فيها بعد القبض، كما لو وهب لعمّه و أخيه(٢).
و الخبر ممنوع، سلّمناه لكنّه مخصوص بذي الرحم، و استثناء الوالد لما تقدّم(٣) من جواز أن يأخذ من ولده مع حاجته قدر كفايته. و الفرق بين العمّ و الأجنبيّ النسب، فإنّه يقتضي كون الهبة له يقصد بها صلة الرحم، و ذلك يقتضي قصد الثواب، فأشبهت الصدقة، بخلاف هبة الأجنبيّ، فإنّه قد يتوقّع فيها العوض، فإذا لم يسلم كان له الرجوع.
تذنيب: شرط أبو حنيفة في ذي الرحم أن يكون محرما في النسب(٤) ، فيجوز عنده أن يرجع فيما وهبه لأولاد عمّه و عمّته و خاله(٥) و خالته(٦) ، فقد وقع الاتّفاق على أنّ ما وهب الإنسان رحمه المحرم غير ولده لا رجوع فيه.
و عندنا أنّ ذا الرحم غير المحرم و الولد ليس له الرجوع فيهما أيضا، و عندنا أنّ الأجنبيّ يجوز لواهبه الرجوع، خلافا للعامّة.
مسألة ١٩: قال الشيخ رحمه اللّه: عندنا أنّ الرجوع في هبة الزوج
أو
١- تقدّم تخريجه في ص ٣٩، الهامش (١).
٢- الحاوي الكبير ٥٤٥:٧، التهذيب - للبغوي - ٥٣٧:٤، البيان ١٠٧:٨، العزيز شرح الوجيز ٣٢٣:٦، معالم السنن - للخطّابي - ١٤٥:٣، المغني ٣٢٧:٦ - ٣٢٨، الشرح الكبير ٣٠١:٦-٣٠٢، روضة القضاة ٣٠٧٤/٥٢٣:٢.
٣- في ص ٣٩.
٤- راجع: الهامش (٢) من ص ٤٠.
٥- في النّسخ الخطّيّة: «و أولاد خاله».
٦- كما في البيان ١٠٧:٨.
الزوجة مكروه(١). و هذا يعطي جواز الرجوع.
و قال جماعة من علمائنا: إنّ حكم الزوجين حكم ذوي الأرحام، فكما لا يجوز الرجوع في هبة ذوي الأرحام، كذا لا يجوز لكلّ من الزوجين الرجوع في هبة الآخر، و هو مذهب أكثر العامّة(٢) ، و هو المعتمد؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الصادق عليه السّلام قال: «و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته، و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيز أو لم يحز، أليس اللّه يقول:
وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (٣) [و قال:] فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) و هذا (يدخل في)(٥) الصداق و الهبة»(٦).
و قال أحمد: ليس للرجل الرجوع فيما يهبه لامرأته، و هل للمرأة الرجوع فيما تهبه لزوجها؟ فيه روايتان عنه:
إحداهما: أنّه ليس لها الرجوع، و به قال عمر بن عبد العزيز و النخعي و ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و أبو ثور و أصحاب الرأي و أكثر الإماميّة، و هو قول عطاء و قتادة، كالزوج.٤.
١- المبسوط - للطوسي - ٣٠٩:٣.
٢- المغني ٣٢٩:٦، الشرح الكبير ٣٠٩:٦، حلية العلماء ٥٤:٦-٥٥، العزيز شرح الوجيز ٣٢٣:٦، مختصر القدوري: ١٢٥، تحفة الفقهاء ١٦٧:٣، الهداية - للمرغيناني - ٢٢٨:٣، الاختيار لتعليل المختار ٧٤:٣.
٣- سورة البقرة: ٢٢٩.
٤- سورة النساء: ٤.
٥- بدل ما بين القوسين في النّسخ الخطّيّة و الحجريّة: «يدلّ على». و المثبت كما في المصدر.
٦- الكافي ٣/٣٠:٧، التهذيب ٦٢٤/١٥٢:٩، الاستبصار ٤٢٣/١١٠:٤.