الواهب تامّ، فلا تعود إليه بغير سبب، و الرجوع ليس سببا على ما تقدّم، و سواء كان التصرّف ممّا يحصل معه تغيّر في العين أو إحداث شيء فيها كاتّخاذ الخشبة بابا، أو لا.
و قال الشافعي: إذا تصرّف المتّهب في الهبة نظر(١) ، فإن كان تصرّفا لا يقطع تصرّف المتّهب عنها - مثل الإجارة و الإعارة و الزراعة و التدبير و تزويج الجارية - كان للواهب الرجوع فيها.
و هو آت على مذهب من يقول من أصحابنا: إنّ التصرّف غير مانع من الرجوع.
و إن كان يمنعه من التصرّف في الحال - كالكتابة و الرهن - لم يكن للواهب الرجوع في هذه الحال، فإن انفسخت الكتابة أو انفكّ الرهن، كان له الرجوع.
و حكى بعضهم أنّ في الكتابة وجها آخر: أنّه لا يرجع؛ لأنّ الكتابة تجعله في حكم من زال عنه ملك السيّد، فيصير كأنّه زال ملكه ثمّ عاد إليه(٢).
و إن كان تصرّفه أزال ملكه، كالبيع و الهبة اللازمة، لم يملك الرجوع.
فلو عاد الموهوب إلى الموهوب منه، فهل يملك الواهب الرجوع ؟ وجهان:
أحدهما: يملك ذلك؛ لأنّ الموهوب موجود في ملكه، ألا ترى أنّ الزوجة إذا زال ملكها عن الصداق ثمّ عاد إليها ثمّ طلّقها الزوج فإنّه يرجع في نصفه، كذا هنا.٦.
١- في «ص، ع»: «نظرت».
٢- العزيز شرح الوجيز ٣٢٦:٦.
و الثاني: لا يرجع؛ لأنّ الملك للمتّهب لم يكن من جهته، فلا يملك فسخه و إزالته، بخلاف الصداق، فإنّ زوال ملكها عن العين لم يسقط حقّه، و إنّما تعلّق حقّه بالقيمة، فإذا عاد عاد الحقّ إليه، و هنا سقط حقّه، فافترقا(١).
مسألة ٢٠: إذا جوّزنا الرجوع مع التصرّف - كما هو مذهب بعض علمائنا،
و مذهب أكثر العامّة - فلو كان المتّهب قد آجر العين أو زارع عليها أو زوّج الجارية فرجع الواهب، صحّ الرجوع، و صبر الواهب في الإجارة إلى انقضاء مدّتها، و كذا في المزارعة، و يبقى التزويج بحاله، و يكون مال الإجارة و الزراعة و المهر للمتّهب؛ لأنّ ذلك حصل في ملكه، و ليس للواهب فيه شيء لا عمّا مضى و لا عمّا يأتي.
و لو أبق العبد الموهوب في يد المتّهب، صحّ رجوع الواهب إن لم يتصرّف المتّهب عندنا، و مطلقا عند من جوّز الرجوع مع التصرّف.
و للشافعي قولان في العبد الموهوب في يد المتّهب هل يصحّ رجوع الواهب فيه على القول بأنّ هبة الآبق لا تصحّ؟ لأنّ الهبة تمليك مبتدأ، و الرجوع ينافيه، فيسامح فيه(٢).
و لو جنى العبد في يد المتّهب و تعلّق الأرش برقبته، فهو كالمرهون في امتناع الرجوع، لكن لو قال الواهب: أنا أدفع الفداء و أرجع فيه، أجيب إليه، بخلاف المرهون لو قال الواهب: أنا أدفع قيمته و أرجع، فإنّه لا يجاب إلى ذلك؛ لأنّ في ذلك إبطال تصرّف المتّهب، و لا سبيل إليه.
و يحتمل عندي تمكينه من ذلك، و ليس في ذلك إبطال التصرّف.
١- العزيز شرح الوجيز ٣٢٤:٦ و ٣٢٦ و ٣٢٧، روضة الطالبين ٤٤١:٤-٤٤٣.
٢- العزيز شرح الوجيز ٣٢٥:٦، روضة الطالبين ٤٤٢:٤.