ابن عيسى الأشعري يجيء ليتعرّف خبر علّة أبي جعفر عليهالسلام ، وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر وبين أبي إذا حضر قام أحمد بن محمد ابن عيسى وخلا به أبي ، فخرج ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول ، واستدار أحمد حتى وقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول لأبي : إنّ مولاك يقرأ عليك السلام ويقول : « إنّي ماض والأمر صائر إلى ابني عليّ ، وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي » ثمّ مضى الرسول فرجع أحمد ابن محمد بن عيسى إلى موضعه وقال لأبي : ما الذي قال لك؟ قال : خيرا ، قال : فإنّني قد سمعت ما قال ، فأعاد إليه ما سمع ، فقال له أبي : قد حرّم الله عليك ذلك لأنّ الله تعالى يقول : ( وَلا تَجَسَّسُوا ) (١) فأمّا إذا سمعت فاحفظ هذه الشهادة لعلّنا نحتاج إليها يوما ما ، وإيّاك أن تظهرها لأحد إلى وقتها.
فلمّا أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع بلفظها ، وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة ، وقال لهم : إن حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.
قال : فلمّا مضى أبو جعفر عليهالسلام لبث أبي في منزله ، فلم يخرج حتّى اجتمع رؤساء الإماميّة عند محمد بن الفرج الرخّجيّ يتفاوضون في القائم بعد أبي جعفر ويخوضون في ذلك ، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماع القوم عنده ، وأنّه لو لا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ، وسأله أن يأتيه.
فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر؟
فقال أبي لمن عنده الرقاع : احضروها ، فأحضروها وفضّها وقال : هذا
__________________
(١) الحجرات ٤٩ : ١٢.