على ولايته التي ولاّه إيّاها من كان قبله ، فيكفّ عن خلافه ، ويصير إلى طاعته ، ولم يمكنه الدفع لكونه عليهالسلام الأفضل في الإسلام والشرف والوصلة بالنبيّ عليهالسلام والعلم والزهد ، ولا الإنكار لشيء من ذلك ، ولا الادّعاء لنفسه مساواته فيه ، أو مقارنته ومداناته ، وقد كان يحضره الجماعة كالحسن بن عليّ وابن عبّاس وسعد بن مالك فيحتجّون عليه بفضل أمير المؤمنين عليهالسلام على جميع الصحابة ، فلا يقدم على الإنكار عليهم ، مع إظهاره في الظاهر البراءة منه ، والخلاف عليه. وكان تقدم عليه وفود أهل العراق من شيعة أمير المؤمنين عليهالسلام فيجرعونه السمّ الذعاف من مدح إمام الهدى صلوات الله عليه ، وذمّه هو في أثناء ذلك ، فلا يكذّبهم ولا يناقض احتجاجاتهم ، وكان من أمر الوافدات عليه في هذا المعنى ما هو مشهور ، مدوّن في كتب الآثار مسطور.
ثمّ قد كان من أمر ابنه يزيد لعنه الله مع الحسين عليهالسلام ما كان من القتل والسبي والتنكيل ، ومع ذلك فلم يحفظ عنه ذمّه بما يوجب إخراجه عن موجب التعظيم ، بل قد اظهر الندم (١) على ذلك ، ولم يزل يعظّم سيّد العابدين عليهالسلام بعده ، ويوصي به ، حتّى أنّه آمنه من بين أهل المدينة كلّهم في وقعة الحرّة ، وأمر مسلم بن عقبة بإكرامه ، ورفع محلّه ، وأمانه مع أهل بيته ومواليه. ومثل ذلك كانت حال من بعده من بني مروان أيضا مع عليّ ابن الحسين عليهماالسلام ، حتّى أنّه كان أجلّ أهل الزمان عندهم.
وكذلك كانت حال الباقر عليهالسلام مع بقيّة بني مروان ، ومع أبي العبّاس السفّاح ، وحال الصادق عليهالسلام مع أبي جعفر المنصور ، وحال أبي الحسن موسى عليهالسلام مع الهادي والرشيد ، حتّى أنّ هارون الرشيد
__________________
(١) في نسختي « ط » و « ق » : الحزن.