والجواب : أنّ من لزم طريق النظر ، وفرّق بين المقدور والمحال ، لم ينكر ذلك ، إلاّ أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد والخلاف.
وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لأمرين : أحدهما : إنا لا نسلّم أنّ ذلك خارق للعادة ، لأنّ تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة ، وإنّ مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم والقدر ، ومن قرأ الأخبار ونظر فيما سطّر في الكتب من ذكر المعمّرين علم أنّ ذلك ممّا جرت العادة به ، وقد نطق القرآن بذكر نوح وأنّه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما. وقد صنّفت الكتب في أخبار المعمّرين من العرب والعجم ، وقد تظاهرت الأخبار بأنّ أطول بني آدم عمرا الخضر عليهالسلام ، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الامّة بأسرها ـ ما خلا المعتزلة والخوارج ـ على أنّه موجود في هذا الزمان ، حيّ كامل العقل ، ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب. ولا خلاف في أنّ سلمان الفارسيّ أدرك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد قارب من عمره أربعمائة عام.
وهب أنّ المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم على دفع الأخبار ، فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنّة والنار ، وجاءت الأخبار بلا خلاف بين الامّة فيها بأنّ أهل الجنّة لا يهرمون ولا يضعفون ، ولا يحدث بهم نقصان في الأنفس
ولو كان ذلك منكرا من جهة العقول لما جاء به القرآن ، ولا حصل عليه الإجماع ، ومن اعترف بالخضر عليهالسلام لم يصح منه هذا الاستبعاد ، ومن أنكره حجّته الأخبار ، وجاءت الرواية عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لمّا بعث الله نوحا إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة ، ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما ، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة ، فلمّا أتاه ملك الموت عليهالسلام قال له :