فعلية وقوعها على أن أصل دلالته ممنوع ، وأما النقل فما يتضمنه القرآن لا دلالة فيه على وقوعها فإن فيها آيات دالة على نفي الشفاعة مطلقا كقوله ، ( لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) البقرة ـ ٢٥٤ ، واخرى ناطقة بنفي منفعة الشفاعة كقوله تعالى : ( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) المدثر ـ ٤٨ ، وأخرى تفيد النفي بمثل قوله تعالى : ( إلا باذنه ) البقرة ـ ٢٥٥ وقوله : ( إلا من بعد إذنه ) يونس ـ ٣ ، وقوله تعالى : ( إلا لمن إرتضي ) الانبياء ـ ٢٨ ، ومثل هذا الاستثناء أي الاستثناء بالاذن والمشية معهود في اسلوب القرآن في مقام النفي القطعي للاشعار بان ذلك باذنه ومشيته سبحانه كقوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الاعلى ـ ٦ ، وقوله تعالى : ( خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك ) هود ـ ١٠٧ ، فليس في القرآن نص قطعي على وقوع الشفاعة وأما السنة فما دلت عليه الروايات من الخصوصيات لا تعويل عليه ، وأما المتيقن منها فلا يزيد على ما في الكتاب دلالة.
والجواب : أما عن الآيات النافية للشفاعة فقد عرفت أنها لا تنفي مطلق الشفاعة بل الشفاعة بغير اذن الله وارتضائه ، وإما عن الآيات النافية لمنفعة الشفاعة على زعم المستشكل فانها تثبت الشفاعة ولا تنفيه فان الآيات واقعة في سورة المدثر وانما تنفي الانتفاع عن طائفة خاصة من المجرمين لا عن جميعهم ، ومع ذلك فالشفاعة مضافة لا مجردة مقطوعة عن الاضافة ، ففرق بين أن يقول القائل : فلا تنفعهم الشفاعة وبين أن يقول : فلا تنفعهم شفاعة الشافعين فإن المصدر المضاف يشعر بوقوع الفعل في الخارج بخلاف المقطوع عن الاضافة ، نص عليه الشيخ عبد القاهر في دلائل الاعجاز فقوله : شفاعة الشافعين يدل على ان شفاعة ما ستقع غير ان هؤلاء لا ينتفعون بها على ان الاتيان بصيغة الجمع في الشافعين يدل على ذلك أيضا كقوله : ( كانت من الغابرين ) وقوله : ( وكان من الكافرين ) وقوله : ( وكان من الغاوين ) وقوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) وأمثال ذلك ، ولو لا ذلك لكان الاتيان بصيغة الجمع وله مدلول زائد على مدلول المفرد لغوا زائدا في الكلام فقوله : فما تنفعهم شفاعة الشافعين من الآيات المثبتة للشفاعة دون النافية.
واما عن الآيات المشتملة على استثناء الاذن والارتضاء فدلالة قوله : ( إلا باذنه )