وقوله : ( إلا من بعد إذنه ) على الوقوع وهو مصدر مضاف مما لا ينبغي أن ينكره عارف باساليب الكلام وكذا القول : بكون قوله : ( الا بإذنه ) وقوله : ( إلا لمن إرتضى ) بمعنى واحد وهو المشية مما لا ينبغ الاصغاء إليه ، على أن الاستثناء واقع في مورد الشفاعة بوجوه مختلفة كقوله : ( إلا باذنه والا من بعد إذنه ) وقوله : ( الا لمن إرتضى ) ، وقوله : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) إلى غير ذلك ، فهب : إن الاذن والارتضاء واحد وهو المشية فهل يمكن التفوه بذلك في قوله : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ). فهل المراد بهذا الاستثناء استثناء المشية أيضا ؟ هذا وأمثاله من المساهلة في البيان مما لا يصح نسبته إلى كلام سوقي فكيف بالكلام البليغ ! وكيف بأبلغ الكلام ! وأما السنة فسيأتي الكلام في دلالتها على ما يحاذي دلالة الكتاب.
الاشكال السادس : أن الآيات غير صريحة في رفع العقاب الثابت على المجرمين يوم القيامة بعد ثبوت الجرم ولزوم العقاب بل المراد بها شفاعة الانبياء بمعنى توسطهم بما هم أنبياء بين الناس وبين ربهم بأخذ الاحكام بالوحي وتبليغها الناس وهدايتهم وهذا المقدار كالبذر ينمو وينشأ منه ما يستقبله من الاقدار والاوصاف والاحوال فهم عليهالسلام شفعاء المؤمنين في الدنيا وشفعائهم في الآخرة.
والجواب : انه لا كلام في ان ذلك من مصاديق الشفاعة الا أن الشفاعة غير مقصورة فيه كما مر بيانه ، ومن الدليل عليه قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) النساء ـ ٤٨ ، وقد مر بيان ان الآية في غير مورد الايمان والتوبة ، والشفاعة التي قررها المستشكل في الانبياء انما هي بطريق الدعوة إلى الايمان والتوبة.
الاشكال السابع : أن طريق العقل لا يوصل إلى تحقق الشفاعة ، وما نطق به القرآن آيات متشابهة تنفيها تارة وتثبتها اخرى ، وربما قيدتها وربما أطلقتها ، والادب الديني الايمان بها ، وإرجاع علمها إلى الله تعالى.
والجواب عنه : أن المتشابهة من الآيات تصير بارجاعها إلى المحكمات محكمات مثلها ، وهو امر ميسور لنا غير مضروب دونه الستر ، كما سيجئ بيانه عند قوله