في عين ما يملك غيره ما يملك ، فإذا نظرنا إلى حقيقة الامر كان الملك المطلق والتصرف المطلق له وحده ، وإذا نظرنا إلى ما ملكنا بملكه من دون استقلال كان هو الولي لنا وإذا نظرنا إلى ما تفضل علينا من ظاهر الاستقلال ـ وهو في الحقيقة فقر في صورة الغنى ، وتبعية في صورة الاستقلال ـ لم يمكن لنا أيضا أن ندبر امورنا من دون إعانته ونصره ، كان هو النصير لنا.
وهذا الذي ذكرناه هو الذي يقتضيه الحصر الظاهر من قوله تعالى : ( إن الله له ملك السموات والارض فقوله تعالى : ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ألم تعلم أن الله له ملك السموات والارض ) ، مرتب على ترتيب ما يتوهم من الاعتراضين ، ومن الشاهد على كونهما اعتراضين إثنين الفصل بين الجملتين من غير وصل ، وقوله تعالى : وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ، مشتمل على أمرين هما كالمتممين للجواب أي وإن لم تنظروا إلى ملكه المطلق بل نظرتم إلى ما عندكم من الملك الموهوب فحيث كان ملكا موهوبا من غير انفصال واستقلال فهو وحده وليكم ، فله أن يتصرف فيكم وفي ما عندكم ما شاء من التصرف ، وإن لم تنظروا إلى عدم إستقلالكم في الملك بل نظرتم إلى ظاهر ما عندكم من الملك والاستقلال وانجمدتم على ذلك فحسب ، فإنكم ترون أن ما عندكم من القدرة والملك والاستقلال لا تتم وحدها ، ولا تجعل مقاصدكم مطيعة لكم خاضعة لقصودكم وإرادتكم وحدها بل لا بد معها من إعانة الله ونصره فهو النصير لكم فله أن يتصرف من هذا الطريق فله سبحانه التصرف في أمركم من أي سبيل سلكتم هذا ، وقوله : وما لكم من دون الله ، جئ فيه بالظاهر موضع المضمر نظرا إلى كون الجملة بمنزلة المستقل من الكلام لتمامية الجواب دونه.
فقد ظهر مما مر : اولا ، ان النسخ لا يختص بالاحكام الشرعية بل يعم التكوينيات أيضا.
وثانيا : ان النسخ لا يتحقق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ.
وثالثا : ان الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال أو مصلحة.
ورابعا : ان الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته وإنما يرتفع التناقض بينهما من