جهة إشتمال كليهما على المصلحة المشتركة فإذا توفى نبي وبعث نبى آخر وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر كان ذلك جريانا على ما يقتضيه ناموس الطبيعة من الحياة والموت والرزق والاجل وما يقتضيه اختلاف مصالح العباد بحسب إختلاف الاعصار وتكامل الافراد من الانسان ، وإذا نسخ حكم ديني بحكم ديني كان الجميع مشتملا على مصلحة الدين وكل من الحكمين أطبق على مصلحت الوقت ، أصلح لحال المؤمنين كحكم العفو في أول الدعوة وليس للمسلمين بعد عدة ولا عدة. وحكم الجهاد بعد ذلك حينما قوي الاسلام وأعد فيهم ما استطاعوا من قوة وركز الرعب في قلوب الكفار والمشركين. والآيات المنسوخة مع ذلك لا تخلو من إيماء وتلويح إلى النسخ كما في قوله تعالى : ( فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ) البقرة ـ ١٠٩ ، المنسوخ بأية القتال وقوله تعالى : ( فامسكوهن في البيوت حتى يتوفيهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) النساء ـ ١٤ ، المنسوخ بأية الجلد فقوله : حتى يأتي الله بأمره وقوله : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) لا يخلو عن إشعار بأن الحكم موقت مؤجل سيلحقه نسخ.
وخامسا : أن النسبة التي بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة التي بين العام والخاص وبين المطلق والمقيد وبين المجمل والمبين ، فان الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ بعد استقراره بينهما بحسب الظهور اللفظي هو الحكمة والمصلحة الموجودة بينهما ، بخلاف الرافع للتنافي بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين فانه قوة الظهور اللفظي الموجود في الخاص والمقيد والمبين ، المفسر للعام بالتخصيص ، وللمطلق بالتقييد ، وللمجمل بالتبيين على ما بين في فن أصول الفقة ، وكذلك في المحكم والمتشابه على ما سيجئ في قوله : ( منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات ) آل عمران ـ ٧.
قوله تعالى : أو ننسها ، قرء بضم النون وكسر السين من الانساء بمعنى الا ذهاب عن العلم والذكر وقد مر توضيحه ، وهو كلام مطلق أو عام غير مختص برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بل غير شامل له أصلا لقوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ) الاعلى ـ ٧ ، وهي آية مكية وآية النسخ مدنية فلا يجوز عليه النسيان بعد قوله تعالى :