يونس ـ ٣٥.وقد قوبل في الآية بين الهادي إلى الحق وبين غير المهتدي إلا بغيره ، أعني المهتدي بغيره ، وهذه المقابلة تقتضي أن يكون الهادي إلى الحق مهتديا بنفسه ، أن المهتدي بغيره لا يكون هاديا إلى الحق البتة.
ويستنتج من هنا أمران : أحدهما : أن الامام يجب أن يكون معصوما عن الضلال والمعصية ، والا كان غير مهتد بنفسه ، كما مر كما ، يدل عليه أيضا قوله تعالى : ( وجعلناهم أئمة بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة ، وإيتاء الزكوة وكانوا لنا عابدين ) الانبياء ـ ٧٣ فأفعال الامام خيرات يهتدى إليها لا بهداية من غيره بل باهتداء من نفسه بتأييد إلهي ، وتسديد رباني والدليل عليه قوله تعالى : ( فعل الخيرات ) بناء على أن المصدر المضاف يدل على الوقوع ، ففرق بين مثل قولنا : وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات فلا يدل على التحقق والوقوع ، بخلاف قوله ( وأوحينا إليهم فعل الخيرات ) فهو يدل على أن ما فعلوه من الخيرات إنما هو بوحى باطني وتأييد سماوي. الثاني : عكس الامر الاول وهو أن من ليس بمعصوم فلا يكون اماما هاديا إلى الحق البتة.
وبهذا البيان يظهر : ان المراد بالظالمين في قوله تعالى ، ( قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) مطلق من صدر عنه ظلم ما ، من شرك أو معصية ، وان كان منه في برهة من عمره ، ثم تاب وصلح.
وقد سئل بعض أساتيذنا رحمة الله عليه : عن تقريب دلالة على عصمة الامام.
فأجاب : أن الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام : من كان ظالما في جميع عمره ، ومن لم يكن ظالما في جميع عمره ، ومن هو ظالم في أول عمره دون آخره ، ومن هو بالعكس هذا. وإبراهيم عليهالسلام أجل شأنا من أن يسئل الامامة للقسم الاول والرابع من ذريته ، فبقي قسمان وقد نفى الله أحدهما ، وهو الذي يكون ظالما في أول عمره دون آخره ، فبقي الآخر ، وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره إنتهى وقد ظهر مما تقدم من البيان أمور :
الاول : أن الامامة لمجعولة.
الثاني : أن الامام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية.