عن الدمع عن عينى القريح عن الجوى |
|
عن الحزن عن قلبي الجريح عن الوجد |
بأن غرامي والهوى قد تحالفا |
|
على تلفي حتى أوسد في لحدي |
وهذا البيان الذي أوردناه وإن آثرنا فيه الاجمال والاختصار لكنك إن أجدت فيه التأمل وجدته كافيا في المطلوب وتبين أن هذا المسلك الثالث يرتفع فيه موضوع الفضيلة والرذيلة ، ويتبدل فيه الغاية والغرض أعني الفضيلة الانسانية إلى غرض واحد ، وهو وجه الله ، وربما اختلف نظر هذا المسلك مع غيره فصار ما هو معدود في غيره فضيلة رذيلة فيه وبالعكس.
بقي هنا شئ وهو أن هيهنا نظرية اخرى في الاخلاق تغاير ما تقدم ، وربما عد مسلكا آخر ، وهي أن الاخلاق تختلف اصولا وفروعا باختلاف الاجتماعات المدنية لاختلاف الحسن والقبح من غير أن يرجع إلى أصل ثابت قائم على ساق ، وقد ادعى أنها نتيجة النظرية المعروفة بنظرية التحول والتكامل في المادة.
قالوا : إن الاجتماع الانساني مولود جميع الاحتياجات الوجودية التي يريد الانسان أن يرفعها بالاجتماع ، ويتوسل بذلك ، إلى بقاء وجود الاجتماع الذي يراه بقاء وجود شخصه ، وحيث أن الطبيعة محكومة لقانون التحول والتكامل كان الاجتماع أيضا متغيرا في نفسه ، ومتوجها في كل حين إلى ما هو أكمل وأرقى ، والحسن والقبح ـ وهما موافقة العمل لغاية الاجتماع أعني الكمال وعدم موافقته له ـ لا معنى لبقائهما على حال واحد ، وجمودهما على نهج فارد ، فلا حسن مطلقا ، ولا قبح مطلقا ، بل هما دائما نسبيان مختلفان باختلاف الاجتماعات بحسب الامكنة والازمنة ، وإذا كان الحسن والقبح نسبيين متحولين وجب التغير في الاخلاق ، والتبدل في الفضائل والرذائل ، ومن هنا يستنتج أن الاخلاق تابعة للمرام القومي الذي هو وسيله إلى نيل الكمال المدني والغاية الاجتماعية ، لتبعية الحسن والقبح لذلك ، فما كان به التقدم والوصول إلى الغاية والغرض كان هو الفضيلة وفيه الحسن ، وما كان يدعو إلى الوقوف والارتجاع كان هو الرذيلة ، وعلى هذا فربما كان الكذب والافتراء والفحشاء والشقاوة والقساوة والسرقة والوقاحة حسنة وفضيلة إذا وقعت في طريق المرام الاجتماعي ، والصدق والعفة والرحمة رذيلة قبيحة إذا أوجب الحرمان عن المطلوب ، هذه خلاصة هذه النظرية العجيبة التي ذهبت إليها الاشتراكيون من الماديين ، والنظرية غير حديثة ، على ما زعموا ،