والذين هم منه ، والمغترفون ، وعلى هذا فالباقون معه بعد الجواز طائفتان : الذين هم منه ، والذين ليسوا من الخارجين ، فجاز أن يختلف حالهم في الصبر والجزع والاعتماد بالله والقلق والاضطراب .
قوله تعالى : فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه الى آخر الآية ، الفئة القطعة من الناس ، والتدبر في الآيات يعطي ان يكون القائلون : لا طاقة لنا ، هم المغترفون ، والمجيبون لهم هم الذين لم يطعموه اصلاً ، والظن بلقاء الله إِما بمعنى اليقين به واما كناية عن الخشوع .
ولم يقولوا : يمكن ان تغلب الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإِذن الله ، بل قالوا : كم من فئة « الخ » ، أخذاً بالواقع في الاحتجاج بإِرائة المصداق ليكون أقنع للخصم .
قوله تعالى : ولما برزوا لجالوت وجنوده « الخ » ، البروز هو الظهور ، ومنه البراز وهو الظهور للحرب ، والافراغ صب نحو المادة السيالة في القالب والمراد افاضة الله سبحانه الصبر عليهم على قدر ظرفيتهم فهو استعارة بالكناية لطيفة ، وكذا تثبيت الاقدام كناية عن الثبات وعدم الفرار .
قوله تعالى : فهزموهم بإِذن الله « الخ » ، الهزم الدفع .
قوله تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض الى آخر الآية ، من المعلوم أن المراد بفساد الارض فساد من على الارض اي فساد الاجتماع الإنساني ولو استتبع فساد الاجتماع فساداً في أديم الأرض فإِنما هو داخل في الغرض بالتبع لا بالذات ، وهذه حقيقة من الحقائق العلمية ينبه لها القرآن .
بيان ذلك : أن سعادة هذه النوع لا تتم
الا بالاجتماع والتعاون . ومن المعلوم أن هذا الامر لا يتم إِلا مع حصول وحدة ما في هيكل الاجتماع بها تتحد أعضاء الاجتماع وأجزائه بعضها مع بعض بحيث يعود الجميع كالفرد الواحد يفعل وينفعل عن نفس واحدة وبدن واحد ، والوحدة الاجتماعية ومركبها الذي هو اجتماع أفراد النوع حالهما شبيه حال الوحدة الاجتماعية التي في الكون ومركبها الذي هو اجتماع أجزاء هذا العالم المشهود ، ومن المعلوم أن وحدة هذا النظام أعني نظام التكوين إِنما هي
نتيجة التأثير والتأثر الموجودين بين أجزاء العالم فلولا المغالبة بين الاسباب التكوينية
وغلبة بعضها على بعض واندفاع بعضها الآخر عنه ومغلوبيتها له لم يرتبط أجزاء النظام بعضها