العلم ، وإن لم يجر له ذكر ـ مثل ( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (١) يعني الشمس عند جماعة من المفسّرين (٢) ـ لا إلى الإعلام ؛ فإنّ الإعلام من صفات فعله تعالى ، ولا قدرة للعبد عليه حتّى يعود التمكين إليه.
وقوله في الثاني : تقدّمه على الفعل زمانا يمكن المكلّف فيه الاطّلاع عليه. الضمير المستكن في تقدّمه هو التكليف ، ويحتمل أن يريد به تقدّم العلم به ؛ لقرينة الاطّلاع ، وحينئذ تذكّر أحد الأمرين مغن عن الآخر ، ومع ذلك فاشتراط حسنه بالإعلام إنّما هو في تكليف واقع كما ذكر الإمام الأفضل في الأبحاث المفيدة ، وكما ذكر هو فيما سلف ، فيكون التكليف غير الواقع ، أو الواقع قبل وصوله إلى المكلّف ، كما في زمان السفارة خاليا عن الحسن ، وكذا الكلام في انتفاء المفسدة إذا علم الحكيم حصولها زمان السفارة وانتفاءها زمان الوقوع.
ومن اشتراط انتفاء المفسدة يعلم وجوب اللطف في كلّ فعل أو ترك لا يمتثل إلاّ به ؛ لأنّ اللطف إذا كان مصلحة فعدمه مفسدة ، وقد اشترط في التكليف نفي المفسدة عن المكلّف وغيره ، لأنّ المفسدة تقتضي المنع منها ، ومصلحة التكليف تقتضي الأمر به فيجتمع المتقابلان ؛ لكون الفعل الواحد حينئذ مأمورا به من حيث المصلحة ممنوعا منه من حيث المفسدة.
قال : ( الثاني : الراجع إلى المتعلّق ، وهو ثلاثة أيضا : أ : إمكانه ؛ لاستحالة التكليف بالمحال عند العدليّة. ب : حسنه ؛ لاستحالة التكليف بالقبيح. ج : رجحانه بحيث يستحقّ به الثواب كفعل الواجب والندب وترك الحرام والمكروه ).
أقول : هذا الثاني من الأمور الأربعة المشروط بها حسن التكليف ، وهو راجع إلى المتعلّق ـ بنصب اللام ـ وهو التكليف نفسه ؛ لأنّ الأمور المتقدّمة في البحث الأول
__________________
(١) ص (٣٨) : ٣٢.
(٢) مجمع البيان ٨ : ٤٧٥ ذيل الآية ٣٢ من سورة ص (٣٨).