إذا عرفت هذا ففي دخول القسم الأوّل ـ وهو مجرّد الاعتقاد العقلي الضروري في التكليف ـ منع ؛ فإنّ العلوم الضروريّة من فعل الله فينا على وجه لا يمكننا دفعه عنّا بشكّ ولا شبهة ، وما هذا شأنه يمتنع التكليف به ، والباقي من الكلام ليس فيه سوى رسوم تلك الأحكام.
قال : ( فلنذكر هنا أقسامها الأوّليّة : فالأوّل : العلم العقلي الضروري بكلّ من الأحكام الخمسة. فبالواجب : كالصدق والإنصاف ، وشكر النعمة ، والعلم بوجوب ردّ الوديعة ، وقضاء الدين ، ودفع الخوف ، والعزم على الواجب. والعملي منه فعل مقتضى ذلك كلّه ).
أقول : يمكن أن يراد بأقسامها الأوّليّة الخمسة المذكورة التي أشرنا إليها أوّلا ، وستسمع ذلك واضحا قريبا إن شاء الله.
ويمكن أن يراد بالأقسام الأوليّة كلّ فرد فرد ممّا أدرجه في الخمسة المذكورة ، من الوجوب والحرمة والندب والكراهة والإباحة.
وقوله : فالأوّل العلم العقليّ الضروريّ بكلّ من الأحكام الخمسة ، يعضد الاحتمال الأوّل.
وقوله : فبالواجب ، كالصدق ، يريد بالصدق هنا الصدق النافع ، فإنّه ضروريّ الوجوب ، بخلاف الصدق الضارّ.
والعلم بالانصاف إن تعلّق بضروري كشكر النعمة ودفع الخوف وشبههما فضروري ، وإن تعلّق بنظريّ فنظريّ. والعلم بوجوب العزم على الواجب إنّما يجب العلم بوقوع وجوبه وحضور وقته وتضييقه.
أمّا قبل ذلك فلا يجب العزم فيه على الأقوى خلافا للسيّد المرتضى رضياللهعنه في الموسّع ، وقد حقّق في الأصول (١).
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ١٥٨.