أقول : إنّ اعتقاد جهة القبلة يكفي فيه الظنّ ، فيكون الظنّ نفس اعتقاد الاكتفاء في العمل بالظنّ ، وكذا طهارة الثوب وعدد الركعات ؛ للزوم تكليفه ما لا يطاق في من لا يتمكّن من مشاهدة الكعبة ، أو ما يقوم مقامها. والبناء على الأصل في الثاني ، والحرج في الثالث. واعلم أنّ جميع المسائل المستنبطة من الأدلّة داخل في هذا القسم.
وقد أطلق العلماء على اعتقادها العلم ، وإن كان طريقه الظنّ ؛ لعدم المنافاة بين ظنّيّة الطريق وعلميّة الحكم كما قرّر في الأصول (١).
والحكم هنا هو اعتقاد الاكتفاء في هذه الأشياء بالظنّ ، وقد عرفت أنّ الاعتقاد المذكور علم مجزوم به ، والظنّ الواقع في طريقه لا يخرجه إلى الظنّ ، فكيف يطلق المصنّف عليه الظنّ؟! نعم يجوز حمل كلامه على المجاز تسمية للمسبّب باسم سببه. هذا مع أنّ الطريق إلى الاكتفاء بظنّ القبلة علميّ ، وهو امتناع تكليف ما لا يطاق ، فكيف يكون اعتقاد الاكتفاء بالظنّ في العمل ظنّيّا؟!.
وليس لأحد أن يقول : المراد بالظنّ العمل به ؛ لأنّ ذلك مذكور في قوله : والعمليّ فعل مقتضاه ، فاعرف ذلك ، فإنّه موضع اشتباه.
ولم يذكر المصنّف في هذا سوى ظنّ الوجوب.
واعلم أنّ ظنّ الندب كما في عدد ركعات النافلة ، وظنّ الحرمة كما في ظنّ الضرر بنوع من المأكول ، وظنّ الكراهة كظنّ كراهة المالك حقّ المارّة ، وظنّ الإباحة كما في الصحاري ونحوها لشاهد حالها بإباحة مالكها. فهذه الخمسة والعشرون الموعود بذكرها ، ولله النعمة وبه العصمة.
قال : ( تنبيه : كلّ هذه الأمور يجب اعتقادها على ما هي عليه إجمالا ، وعلى من كلّف بها تفصيلا. ويمكن خلوّ المكلّف من أكثرها إلاّ دفع الخوف الحاصل من ترك معرفة المكلّف سبحانه ، وما يتعلّق باعتقاد التروك وتركها ).
أقول : هذه الأمور أعني أقسام الاعتقادات الخمسة ، وأقسام الأحكام الخمسة
__________________
(١) الذريعة إلى أصول الشريعة ١ : ٢٤.