كمذاهب الخلاف ، مع أنّ القياس المركّب من مشهورات لا تفيد يقينا بل جدلا.
ثمّ سلّم المصنّف كون الشهرة حجّة ، وقال : إنّما أطلق المتكلّمون اسم العبادة على الشكر ؛ لأنّها مشتملة عليه. وقد مرّ ذلك منه في جوابه عن الوجه الثاني في قوله : وإن كان الشكر واقعا فيها.
قوله : والمجاز يصار إليه للقرينة. جواب سؤال مقدّر ، تقديره : أنّ ما ذكرت من إطلاق اسم العبادة على الشكر لأجل اشتمالها عليه مجاز من باب تسمية الكلّ باسم الجزء كتسمية الزنجي أسود ، والمجاز خلاف الأصل فلا يصار إليه.
فأجاب بأنّه لا يصار إليه إذا أمكن الحمل على الحقيقة ، أمّا إذا [ لم يمكن ] فلا.
والمانع ما ذكر من الأدلّة ، وهي القرينة الموجبة للحمل على المجاز.
ونحن نقول : ما ذكره المتكلّمون معارض بأشهر منه وهو أنّ الشكر هو الاعتراف القلبي ، فإن كان في الشهرة حجّة فهي لنا ، وإلاّ سقط كلامهم.
فإن قالوا : كون الاعتراف شكرا لا يمنع من كون العبادة شكرا.
قلنا : فالشكر إمّا حقيقته فيهما ويلزم الاشتراك ، أو في أحدهما ويلزم المجاز.
نعم يتمشّى إذا جعل للقدر المشترك ، وهو مطلق الرجحان فلا اشتراك ولا مجاز.
وقوله : إنّما يطلق اسم العبادة عند بلوغه الغاية إلى آخره. يريد بهذا الكلام : أنّ الشكر لا يسمّى عبادة إلاّ إذا بلغ الغاية لأجل بلوغ النعمة إليها.
واستدلّ على أنّ الشكر لا يسمّى عبادة قبل البلوغ المذكور ، بأنّ شكر بعض النعم لم يطلق عليه بعض اسم ، كالشكر على كلّ نعمة تصل إليه على يد غيره ونحو ذلك.
وغاية ذلك أنّ إطلاقهم اسم العبادة إنّما هو على بعض أجزاء الشكر ، فيكون أعمّ منها ، إذا نظرنا إلى التسمية التي احتجّوا بها.
قال : ( واعلم أنّ تجويز كلّ من الوجوه قائم ، ولا قاطع هنا على التعيين وإن كان مذهب اللطف قريبا. وكذا مذهب اللطف في الشكر ).
أقول : هذا ظاهر من الأدلّة السالفة ، يعلم من تدبّرها.