بالجوارح فلا يفيد الاطّلاع على الحقيقة (١). ولهذا أنّ موسى عليهالسلام سئل بـ « ما » (٢) الدالّة على طلب الحقيقة ، أجاب بذكر خواصّه وصفاته ، فنسب إلى الجنون ، فذكر صفات أبين وقال : ( إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) (٣) ، ثبّتها لهم على استحالة الاطّلاع على حقيقته.
ولأنّه لو كانت ذاته معلومة لم يكن إلها كما أشار إليه أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله : « كلّ معروف بنفسه مصنوع » (٤) وهذه مقدّمة دليل حذفت كبراه ، تقديرها : وكلّ مصنوع ليس بإله العالم ، فالناتج أنّ كلّ معروف بنفسه ليس بإله العالم ، بل نقول : صفاته الحقيقيّة غير معلومة لنا بالكنه ، فإنّا لا نعلم من قدرته إلاّ أنّها مبدأ الفعل على سبيل الصحّة ، ولا من علمه إلاّ أنّه مبدأ الإحكام والإتقان ، وذلك عنى المصنّف بقوله : ( ولا على صفة من صفاته ).
قوله : ( فهو أكبر من أن يوصف ).
أقول : أطلق المصنّف هنا العامّ وأراد الخاصّ ، فإنّه قد وصف بالصفات الثبوتيّة وغيرها ، والمراد بالوصف الدالّ على الإمكان المستلزم لمطلق النقصان ، كما وضّحه أخطب الخطباء أمير المؤمنين عليهالسلام حيث قال :
لا يجري عليه السكون والحركة ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، ويعود فيه ما هو أبداه ، ويحدث فيه ما هو أحدثه؟ إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجزّأ كنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولكان له وراء إذ وجد له أمام ، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان ، وإذا لقامت آية المصنوع فيه ، ولتحوّل دليلا بعد أن كان مدلولا عليه (٥).
[ تنبيه ] هذه الكلمة أعني : « الله أكبر » كما دلّت على صفات الكمال ، دلّت على صفات الجلال ، كما ذكره المصنّف ( رضوان الله عليه ).
ويطابقه ما قال في رسالة النفل عند ذكر التكبيرات السبع : انّه : أوّل في الرواية ،
__________________
(١) حكاه عنهم في تلخيص المحصّل : ٣١٤ و ٣١٥.
(٢) أشار إلى الآية ٢٣ من سورة الشعراء (٢٦) : ( قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ).
(٣) الشعراء (٢٦) : ٢٨.
(٤) نهج البلاغة : ٣٦٥ ، الخطبة ١٨٦.
(٥) نهج البلاغة : ٣٦٦ ، الخطبة ١٨٦.