وقد أشكل على ذلك السيد قدسسره في الدورة السابقة بأنّه مع الشك في الحكم الواقعي امّا أن تجري تلك الوظيفة كالبراءة بلحاظه أم لا تجري ، فإن لم تكن تجري بأن كان الواقع منجزاً فأي فائدة في اجرائها عن الحكم الظاهري المشكوك مع فرض كونه لابد له من الاحتياط تجاه الواقع الذي هو المنجز دائماً وإن كانت تجري البراءة عن الواقع ويؤمن من ناحيته فأي حاجة إلى اجرائها عن الحكم الظاهري بل أيّة فائدة له بعد أن لم يكن على مخالفته عقاب.
وهذه المناقشة غير تامة ، فإنّه بناءً على مسلكنا يعقل أن يكون اهتمام المولى تجاه الملاكات الواقعية تختلف من مورد الشك في الواقع المجرّد والشك في اهتمام المولى بالواقع عند الشك فيه فيحكم بالبراءة في الأوّل وبالاحتياط في الثاني أو بالعكس ، غاية الأمر هذا لا يظهر أثره في مورد شك في الواقع يكون مشمولاً لاطلاق دليل الحكم الظاهري حيث انّه بالتمسك به ينفى الشك في جعل ذلك الحكم الظاهري فيه ، وإنّما يظهر أثره في الشبهة المصداقية لدليل الحكم الظاهري كما إذا شك في حرمة شيء وكان هناك رواية على الحرمة يشك في وثاقة راويها بنحو لا يمكن اثباته أو نفيه بالاستصحاب ، فلا يمكن التمسك بدليل البراءة في الشبهة ابتداءً لكونه من الشبهة المصداقية لمخصّصه ـ وهو دليل حجّية خبر الثقة المخصّص لإطلاق دليل البراءة ـ فحينئذٍ يمكننا التمسك بأصالة البراءة بلحاظ الشبهة الثانية الطولية حيث انّه بلحاظها لا تكون شبهة مصداقية إذ لا يوجد خبر ثقة على وثاقة الراوي ، ولنفرض انّه فحص عن وثاقته وعدمها أيضاً ولم يجد دليلاً على أحدهما ، لكن لا يمنع عن جريان البراءة في مثل هذه الشبهات الموضوعية والتي هي حكمية من حيث النتيجة. نعم ، لو قلنا بأنّ دليل حجّية خبر الثقة إنّما يقيّد دليل البراءة كبروياً بخصوص موارد وجود خبر ثقة