لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ » وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين جعل لكل نبي منهم « شِرْعَةً وَمِنْهاجاً » والشرعة والمنهاج سبيل
______________________________________________________
من ترك العمل بالنار ، أو أنه إن لم يدخل الجنة وأدخل النار كان ظالما ، وهذا الكلام يحتمل وجهين : أحدهما أن تكون المعاصي التي نهى عنها في مكة من المكروهات ويكون النهي عنها نهي تنزيه ، والطاعات التي أمر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر لأن التعذيب على ترك المستحبات أو فعل المكروهات في الآخرة ظلم ، وثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم والأمر بالطاعات أمر وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي وترك الطاعات النار ولم يغلظ فيهما ، وإنما أوعد النار على المشرك والإخلال بالعقائد وإنكار النبوة والمعاد فهي كانت بمنزلة الفرائض لسعة كرمه ورحمته أن لا يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر ، والكبائر وغيرها بمنزلة الصغائر وسائر الواجبات ، وقد أوجب الله تعالى على نفسه فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث الإخلال بما أوجب على نفسه من العفو عنهم أو يقال : التعذيب بالنار مع ترك الإيعاد بها ظلم أو يقال التعذيب بالنار العظيم الأليم أبدا أو مدة طويلة بمحض النهي من غير تهديد ووعيد وتغليظ لا سيما ممن كملت قدرته ووسعت رحمته ظلم ، أو يقال : اللطف على الله تعالى واجب وأعظم الألطاف التهديد والوعيد بالنار فتركه ظلم ، أو يقال : أطلق الظلم على خلاف الأولى مجازا والكل مبني على أن الأعمال والتروك التي هي أجزاء الإيمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار ، وفي مكة سوى العقائد لم تكن كذلك ولما شرع في المدينة شرائع وجعل فيها فرائض وكبائر يستحق بترك الأولى ، وفعل الثانية دخول النار جعلتاه من أجزاء الإيمان.
« جعل لكل نبي » إشارة إلى قوله تعالى في المائدة وهي مدنية : « لِكُلٍ