.................................................................................................
______________________________________________________
لافتقر التكليف في سبق ذلك الميثاق إلى سبق ميثاق آخر ولزم التسلسل وهو محال ، وأما الثاني وهو أن يقال : إنهم في وقت ذلك الميثاق ما كانوا كاملي العقول ، ولا كاملي القدر ، فحينئذ يمتنع توجيه الخطاب والتكليف عليهم.
العاشرة : قوله تعالى : « فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ » (١) ولو كانت تلك الذرات عقلاء فاهمين كاملين لكانوا موجودين قبل هذا الماء الدافق ولا معنى للإنسان إلا ذلك الشيء ، فحينئذ لا يكون الإنسان مخلوقا من الماء الدافق وذلك رد لنص القرآن ، فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : أنه تعالى خلقه كامل العقل والفهم والقدرة عند الميثاق ثم أزال عقله وفهمه وقدرته ، ثم إنه خلقه مرة أخرى إلى رحم الأم وأخرجه إلى هذه الحياة الدنيا؟ قلنا : هذا باطل لأنه لو كان الأمر كذلك لما كان خلقه من النطفة خلقا على سبيل الابتداء بل كان تجب أن يكون خلقا على سبيل الإعادة ، وأجمع المسلمون علي أن خلقه من النطفة هو الخلق المبتدأ فدل هذا على أن ما ذكرتموه باطل.
الحادية عشر : هي أن تلك الذرات إما أن يقال أنه عين هؤلاء الناس أو غيرهم ، والقول الثاني باطل بالإجماع في القول الأول ، فنقول : إما أن يقال إنهم بقوا فهماء عقلاء قادرين حال ما كانوا نطفة وعلقة ومضغة ، أو ما بقوا كذلك والأول باطل ببديهة العقل ، والثاني يقتضي أن يقال الإنسان حصل له الحياة أربع مرات ، أولها وقت الميثاق ، وثانيها في الدنيا ، وثالثها في القبر ، ورابعها في القيامة وأنه حصل له الموت ثلاث مرات موت بعد الحياة الحاصلة في الميثاق الأول ، وموت في الدنيا وموت في القبر ، وهذا العدد مخالف للعدد المذكور في قوله تعالى : « رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ
__________________
(١) سورة الطارق : ٦.