العرب الى اليوم ، وقد يشاركهم فيه جملة من العالم في الشرق والغرب بهذا الفهم وهذا التعبير ليس غير ، وهم يريدون ما تريد الآية من الإطلاق لدى التبادر الذهني العام ، إذ ليس لله كرسي يجلس عليه هذه صفته بالكبر والاستطالة والتوسع ، ولكنه ترحيل باللفظ الى المعنى المعبر عن مدى ملكه ، واتساع مملكته ، وترامي أطرف حكمه في المناحي السماوية والأرضية ، والسياق القرآني يساعد على هذا الحكم العقلي ، لنفي الجسمية والتشبيه والمكانية عنه عزّ وجلّ.
وهذه السعة المدركة عقليا بضم العبارة بعضها لبعض ، لا تنافي أن يكون لفظ « الكرسي » بمفرده ، من المجاز اللغوي ، أو على سبيل الأستعارة ، ليلتقي المجازان العقلي في العبارة ، واللغوي في المفردة في التعبير عن تمكنه وسلطانه سبحانه وتعالى.
ج ـ وفي قوله تعالى : ( سنفرغ لكم أيّه الثّقلان (٣١) ) (١) ، نلمس مجازا عقليا نستفيده لا بقرينة لفظية مقالية ، بل بقرينة معنوية حالية ، أدركها العقل ، وسلّمت بها الفطرة من خلال أحكام الألفاظ في العبارة ، وسياق الإسناد في التركيب ، فالله سبحانه وتعالى لا يشغله أمر عن أمر ، ولا يلهيه شأن عن شأن ، فهو قائم لا يسهو ، وإنما أراد بهذا التفرغ ، التوجه نحو الثقلين توجه المتفرغ الذي لا يعنيه غير هذا الموضوع في الوقت الذي يدير فيه جميع العالم ، ويستوعب جميع صنوف التدبير ، وذلك على طريقة العرب في سنن الكلام لدى التعبير عن التهيؤ والجد والتشمير ، فهو قاصد إليهم بعد الترك في فسحة الحياة ومحيط بهم الإمهال قبل الموت ، لا أنه كان مشغولا ففرغ ، أو في كائنة وانتهى منها ؛ وإنما هو المجاز بعينه الذي أشاع روح الرهبة في الوعيد ، وانتهى بأجراس النقمة في المجازاة ، دون شغل أو عمل صارفين.
د ـ وتبقى ميزة التعبير القرآني مقترنة بالأسلوب العربي المبين ، في وضع المجاز بموضعه المناسب من الفن القولي ، حتى يكتسب ذلك التعبير في مجازيته العقلية طائفة مشرقة من الاعتبارات الإيحائية ، التي تلتصق
__________________
(١) الرحمن : ٣١.