القرآن في تعبيراته ، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال من المعنى الذي حدده علماء البلاغة لكلمة المجاز » (١).
ولا أدلّ على هذا المذهب من قول أبي عبيدة نفسه وهو بإزاء تحرير مجاز القرأن « وفي القرآن ما في الكلام العربي من وجوه الأعراب ، ومن الغريب والمعاني » (٢).
فهو بصدد هذا الملحظ الذي ذكره ، وإن اشتمل مجموع ما أفاضه «مجاز القرآن» على جملة من أنواع المجاز الاصطلاحي ، ولكنه إنما يقصد بالمجاز معناه اللغوي ، وقد يقصد به أحيانا : الميزان الصرفي ، وقد يعني به نحو العرب وطريقتهم في التفسير والتعبير ، وهو الأعم الأغلب في مراده.
وبعد هذا « نستطيع ـ مطمئنين ـ ان نقرر أن كلمة « مجاز » إنما هي تسمية لغوية تعني التفسير ، فالمعرفة بأساليب العرب ، ودلالات ألفاظها ، ومعاني أشعارها ، وأوزان ألفاظها ، ووجوه إعرابها ، وطريق قراءاتها ، كل ذلك سبيل موصلة الى المعنى ، فمجاز القرآن يقصد أبو عبيدة به « المعبر » الى فهمه ، فالتسمية لغوية وليست إصطلاحية » (٣).
ومهما يكن من أمر فقد عالج ابو عبيدة في « مجاز القرآن » كيفية التوصل الى فهم المعاني القرآنية باحتذاء أساليب العرب في كلامهم وسننهم في وسائل الإبانة عن المعاني ، ولم يعن بالمجاز ما هو قسيم للحقيقة ، وإنما عني بمجاز الآية : ما يعبر به عن الآية (٤).
وكان سبيل أبي عبيدة في مجاز القرآن نفسه سبيل معاصره أبي زكريا الفرّاء ( ت : ٢٠٧ هـ ) في « معاني القرآن » وجزءا من سبيل إبن قتيبة في « تأويل مشكل القرآن » في حدود معينة ، لأن كتاب ابن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) قد اشتمل على مباحث مجازية مهمة ، كما سنشاهد هذا في مرحلة التأصيل ، اذ عقد للمجاز ـ بمعناه العام حينا وبمعناه الاصطلاحي الدقيق
__________________
(١) فؤاد سزكين ، مجاز القرآن ، المقدمة : ١ / ١٨.
(٢) أبو عبيدة ، مجاز القرآن : ١ / ٨.
(٣) مصطفى الصاوي الجويني ، مناهج في التفسير : ٧٧.
(٤) ظ : أحمد مطلوب ، فنون بلاغية : ٩٢.