الجواب ( بأنّ ربّك اوحى لها (٥) )(١).
تحدث به الأرض نفسها تلقائيا ؛ فالإيحاء هنا مباشرة ، ليلائم إسناد التحدث الى الأرض. وسر قوته في أنه كذلك(٢).
٣ ـ ومسايرة المجاز للنفس الإنسانية لا تقف عند حد معين ، ولا تختص بأقوام دون آخرين ، فالعبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ومع هذا فقد نلتقط بعض الشذرات النادرة ، والتحف الثمينة في هذه الظاهرة المتأصلة ، ومن ذلك ما أورده تعالى في سورة الضحى من أقسام وأيمان كان للمجاز العقلي فيها نصيب متميز ، كما في قوله تعالى : ( والضّحى (١) والليل إذا سجى (٢) )(٣).
وسيأتي إبراز المجاز الإسنادي الحكمي لهذه الآية في محلها من فصل « المجاز العقلي في القرآن » والمهم هنا أن نبين أن القرآن العظيم كما توجه لإثارة النفس عند الناس ، فكذلك توجه لتهدئة النفس الإنسانية عند ذي أقدس نفس بشرية ، وهو الرسول الأعظم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وبذلك يستوعب المجاز القرآني ، النفوس الاعتيادية والنفوس المقدسة الشريفة ، وقد تنبهت الدكتورة بنت الشاطىء لهذا الملحظ ونحن نؤيدها فيه بحدود.
« المقسم به في آيتي الضحى ، صورة مادية ، وواقع حسي ، يشهد به الناس تألق الضوء في ضحوة النهار ، ثم يشهدون من بعده فتور الليل إذا سجا وسكن. يشهدون الحالين معا ، في اليوم الواحد ، دون أن يختل نظام الكون ، أو يكون في توارد الحالين عليه مما يبعث على إنكار ، بل دون أن يخطر على بال أحد ، إن السماء قد تخلت عن الأرض وأسلمتها الى الظلمة الموحشة ، بعد تألق الضوء في ضحى النهار ».
فأي عجب في أن يجيء ، بعد أنس الوحي وتجلي نوره على المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فترة سكون يفتر فيها الوحي ، على نحو ما نشهد من الليل الساجي يأتي بعد الضحى المتألق (٤).
__________________
(١) الزلزلة : ٥.
(٢) ظ : بنت الشاطىء ، التفسير البياني : ١/٩٧.
(٣) الضحى : ١ ـ ٢.
(٤) بنت الشاطىء ، التفسير البياني : ١/٢٦.