عليه(١). وأن كان من سبقه قد أدرك الفرق بين الاستعارة وهذا النوع من المجاز ، ولكنه لم ينص عليه إلا من خلال علاقة غير المشابهة كما هي الحال عند عبد القاهر(٢).
وجاء الخطيب القزويني ( ت : ٧٣٩ هـ ) فتابع السكاكي في التسمية والتعريف معا ، فقال عنه :
« وهو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه ، وما وضع له ملابسة غير التشبيه ، كاليد إذا استعملت في النعمة ، لأن من شأنها أن تصدر عن الجارحة ، ومنها تصل الى المقصود بها ، ويشترط أن يكون في الكلام إشارة الى المولي لها ، فلا يقال : اتسعت اليد في البلد ، أو اقتنيت يدا ، كما يقال : اتسعت النعمة في البلد ، أو اقتنيت نعمة ، وإنما يقال : جلّت يده عندي ، وكثرت أياديه لدي ونحو ذلك » (٣).
وفي هذا التعريف والتنظير تبدو العلاقة بين الاستعمال الحقيقي والمعنى المجازي ، وتظهر الفروق المميزة بين الاستعارة والمجاز المرسل. فبالنسبة لليد ، وهي وإن كانت جارحة لا تتصرف إلا بأمر من الإنسان نفسه ، إلا أنها تستعمل فيما يصدر عنها من العطاء في مقام النعمة ، والبطش في مقام القوة ، والضرب عند التأديب والانتقام ، وبها يتعلق الأخذ والعطاء ، والمنع والدفع ، والصد والرد ، وكل صادر عنها بعلاقة ومناسبة غير المشابهة لدى الاستعمال المجازي ، وإنما بالأثر والقوة والقدرة والوطئة ، ولا مشابهة بين هذه الآثار وبين الجارحة نفسها ماهية وحقيقة.
لهذا فقد كان اختيار علاقة غير المشابهة للمجاز المرسل ، وعلاقة المشابهة للاستعارة ، اختيار موفقا لدى التفريق بينهما ، فكما كانت الملابسة بين اليد والنعمة واضحة في غير المشابهة بين الحقيقتين ، فكذلك ملابسة المشابهة واضحة في الاستعمال الاستعاري بين المشبه والمشبه به
__________________
(١) ظ : السكاكي ، مفتاح العلوم : ١٩٥ وما بعدها.
(٢) ظ : عبد القاهر ، أسرار البلاغة : ٣٧٦.
(٣) القزويني ، الإيضاح : ٢٨٠ ، ٣٩٧ تحقيق الخفاجي.