ومندمجا فيه اندماجا تاما يبرز قوله تعالى : ـ ( وأُشرِبوا في قلوبهم العِجل (٩٣) )(١).
والعجل ليس موضع ذلك ، بل المراد حب العجل ، فحذف المضاف وأقام مقامه المضاف إليه ، للدلالة على هذه الحقيقة الثابتة ، إذ أنزل العجل منزلة الحب ، لملابسته لهم في قلوبهم ، وتشرب قلوبهم بهذا الحب الأعمى ، حتى عاد ذلك سمة من سماتهم ، وحقيقة تكشف عن واقع حالهم في الهوى والضلال.
٤ ـ وفي التأكيد على الشيء بإطلاق اسم ضده عليه نقف عند قوله تعالى : ( فبشّرهم بعذاب أليم ) (٢).
والبشارة إنما يصح التعبير بها في مواطن الخير والكرامة ، لا في مظاهر الشدة والعناء ، وليس العذاب من مواطن الخير ، حتى يبشر به العاصي ، ولكنه تعالى أطلقه عليه تجوزا من باب إطلاق اسم الضدين على الآخر للنكاية والتشفي ، أو السخرية والتهكم ، وكلاهما يأتيان هنا لتأكيد وقوع العذاب دون شك.
وقد حمل أبو مسلم ، محمد بن بحر قوله تعالى : ( فبصرك اليوم حديد ) (٣) على هذا الملحظ ، باعتباره إخبارا مؤكدا عن قوة المعرفة ، لا من باب التأكيد على الشيء باسم ضده ، لأن الجاهل بالله سبحانه في هذه الدنيا سيكون عارفا به تماما ، فأرادوا بذلك العلم والمعرفة لا الإبصار بالعين (٤).
مما تقدم ، يتجلى لنا مدى سيرورة المجاز اللغوي المرسل في القرآن ، وكثرة ذيوعه وانتشاره ، لأن مفردات هاتين الظاهرتين ما هي إلا الرصد لمفردات مماثلة دون استيعاب ، ولكنها بالإضافة لما سبق من
__________________
(١) البقرة : ٩٣.
(٢) آل عمران : ٢١.
(٣) ق : ٢٢.
(٤) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان : ٣/ ٤٣٠ بتصرف وإيضاح.