فإن لفظة كن تدل على الأمر ، ولكن المراد بها الخبر والتقرير ، والتقدير فيها يكون فيكون ، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، أي فهو يكون ، والرأي لأبي علي الفارسي(١).
وهذا الباب من فرائد القرآن وبدائعه لإثبات حقائق الأشياء دون تردد.
٢ ـ وفي ملحظ التغليب وديمومة الصفات ، وكون الشيء جزءا من الأصل ، وأصلا في الكل المنظور إليه يبرز كل من قوله تعالى :
أ ـ ( وكانت من القانتين ) (٢)
ب ـ ( إلاّ امرأته كانت من الغابرين ) (٣)
ج ـ ( فلولا أنّه كان من المسبّحين (٤٣) ) (٤)
فبالنسبة لمريم إبنة عمران في الآية الأولى غلب عليها صفة الذكور ، ولو لم يرد المعنى المجازي في ذلك لجاء بالأصل الموضوع للأناث وهو القانتات ، ولكنه أطلق القانتين على الإناث من باب التغليب ، والارتفاع بمستوى مريم الى مصاف الرجال القانتين. وما يقال هنا يقال بالنسبة « للغابرين » فإن اللفظ موضوع للذكور المتصفين بهذا الوصف ، فإطلاقه على الإناث على غير ما وضع له ، وإذا كان كذلك فهو مجاز.
وفي الآية الثالثة يراد بالمسبحين المصلين ، ولما كان التسبيح أحد الأجزاء المهمة في الصلاة ، ولملازمة الصلاة للتسبيح ، وكون التسبيح جزءا منها ، فأطلق عليها تجوزا ، والمعني الصلاة.
٣ ـ وفي ملابسة واقع الحال للشيء حتى عاد جزءا منه ،
__________________
(١) ظ : الزركشي ، البرهان ٢/ ٢٩٠.
(٢) التحريم : ١٢.
(٣) الأعراف : ٨٣. العنكبوت : ٣٢.
(٤) الصافات : ١٤٣.