الطعن على القرآن في هذه القضية ، وناقشها مناقشة أدبية ونقدية بارعة ، مؤيدا ذلك بموافقات اللسان العربي ، ومستدلا على ما يراه بسنن القول عند العرب في سائر الاستعمالات حتى الساذجة البسيطة منها.
يقول ابن قتيبة : « وأما الطاعنون على القرآن بالمجاز ، فإنهم زعموا أنه كذب ، لأن الجدار لا يريد ، والقرية لا تسأل ، وهذا من أشنع جهالاتهم ، وأدلها على سوء نظرهم ، وقلة إفهامهم ، ولو كان المجاز كذبا ، وكل فعل ينسب الى غير الحيوان باطلا ، كان أغلب كلامنا فاسدا ، لأنا نقول : نبت البقل ، طالت الشجرة ، أينعت الثمرة ، أقام الجبل ، رخص السعر »(١).
وقد أيد هذا المنحى عبد القاهر الجرجاني ( ت : ٤٧١ هـ ) بقوله : « وأنت ترى في نص القرآن ما جرى فيه اللفظ على إضافة الهلاك الى الريح مع استحالة أن تكون فاعلة ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدّنيا كمثل ريح فيها صرّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته ) (٢) وأمثال ذلك كثير »(٣).
وقد أفرد المجاز بالتصنيف من الشافعية الشيخ عز الدين بن عبد السلام ( ت : ٦٦٠ هـ ) في كتابه « الإشارة الى الإيجاز في بعض أنواع المجاز »(٤).
وهناك كتاب قديم ذكره ابن النديم في الفهرست يخص هذا الجزء من البحث اسمه ( الرد على من نفى المجاز من القرآن ) للحسن بن جعفر(٥). ولم أعثر فيما لدي من فهارس المخطوطات على إشارة الى مكان وجوده في مكتبات العالم ، ولعله فقد فيما فقد من عيون التراث ، ويبدوا أنه قد ألف لغرض إثبات وقوع المجاز في القرآن ردا على من نفى ذلك عنه ، كما هو واضح من العنوان.
__________________
(١) ابن قتيبة ، تأويل مشكل القرآن : ٩٩.
(٢) آل عمران : ١١٧.
(٣) عبد القاهر ، أسرار البلاغة : ٣٦١.
(٤) طبع في استانبول ، دار الطباعة العامرة ، ١٣١٢ هـ.
(٥) ابن النديم ، الفهرست : ٦٣ ، دار المعرفة ، بيروت ، ١٩٧٨ م.