وقد جاء هذا الرفض بحجة أن المجاز أخو الكذب ، والقرآن منزّه عنه ، فإن المتكلم لا يعدل اليه الا اذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وذلك محال على الله تعالى (١).
وقد ثبت لدينا في ضوء ما تقدم ، وفي ظلال ما سيأتي بيانه ، أن المورد المجازي في الاستعمال القرآني لا تضيق في الحقيقة ، أو عجز عن تسخيرها في تحقيق المعنى المراد ، بل لغاية التحرر في الالفاظ ، وإرادة المعاني الثانوية البكر ، فيكون بذلك قد أضاف الى الحقيقية في الألفاظ إضاءة جديدة ، والألفاظ هي هي ، وهذا بعيد عن ملحظ الكذب في التقرير ، أو العجز عن تسخير الحقيقة. ولو خلا منه القرآن لكان مجردا عن هذه الإضافات البيانية الاصيلة ، وليس الأمر كذلك.
ويؤكد هذا الملحظ تعقيب الزركشي ( ت : ٧٩٤ هـ ) على القول بمنع استعمال المجاز القرآني بقوله :
« وهذا باطل ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف وتثنية القصص وغيره ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن »(٢).
فاستعمال المجاز في القرآن نابع من الحاجة اليه في بيان محسنات القرآن البلاغية ، فهو والحقيقة يتقاسمان شطري الحسن في الذائقة البيانية كما أشار الزركشي.
ويبدو ضعف هذا المذهب ـ وهو يرفض وجود المجاز في القرآن ـ حينما نشاهد حرص الجمهور والإمامية ، وأغلب المعتزلة ، ومن وافقهم من المتكلمين على إثبات وقوعه في القرآن(٣).
حقا إن ابن قتيبة ( ت : ٢٧٦ هـ ) قد أشار منذ عهد مبكر الى مسألة
__________________
(١) ظ : السيوطي ، الاتقان في علوم القرآن : ٣/١٠٩.
(٢) الزركشي ، البرهان في علوم القرآن : ٢/٢٥٥.
(٣) ظ في هذا الشأن : الجاحظ ، الحيوان : ١/٢١٢. ابن جني ، الخصائص : ٢/٤٤٧ ـ٤٥٧. الرضي ، تلخيص البيان في جملة نصوصه ، المرتضى في الأمالي ، الزمخشري ، الكشاف في أغلب مواضعه.