وإذا كان الوحي فعلا متميزا ، فهو صادر عن فاعل مريد ، وهذا الفاعل المريد هو الله تعالى ، الى متلق ممتثل ، فتعلقه في الأرض إذن تعلّق مجازي ، إذ طريق الوحي هو التلقي ، والأرض غير قابلة للتلقي. لهذا فالإيحاء في الآية عند الزمخشري مجاز لا يستثني بهذا شيئا قال :
« أوحى لها بمعنى أوحى إليها ، وهو مجاز كقوله تعالى : ( أن نقول له كن فيكون ) وكقول الشاعر : أوحى لها القرار فاستقرت (١).
وأصل الوحي هو : الإشارة السريعة على سبيل الرمز والتعريض وما مجرى الإيماء والتنبيه على الشيء من غير أن يفصح به (٢).
وقد يكون أصل الوحي في اللغة كلها الإعلام في خفاء (٣). ومؤدى ذلك واحد ، إذ الإشارة السريعة إعلام عن طريق الرمز ، والرمز إيماء يستفيد منه المتلقي أمرا إعلاميا قد يخفى على الآخرين (٤).
ولهذا فقد كان الراغب دقيقا حينما عرض لمصطلح الوحي وقسمه فيما تنبه اليه بين القابل له والمستعصي عليه ، إلا أن يكون ذلك تسخيرا من قبل الله تعالى ، فقال : « فإن كان الموحى إليه حيا فهو إلهام ، وإن كان جمادا فهو تسخير » (٥).
لهذا فقد ذهب الطبرسي ( ت : ٥٤٨ هـ ) الى أن أوحى لها : أي ألهمها وعرفها بأن تحدث أخبارها .. من جهة تخفى (٦).
والسياق إنما يقوم على قوة هذه الفاعلية في تصوير هول الموقف الذي يدهش له الإنسان فيقول في عجب وقلق ما لها؟ فاقتضى أن يأتيه
__________________
(١) ظ : الزمخشري ، الكشاف : ٤/٢٧٦.
(٢) قارن بين ذلك في : الراغب ، المفردات : ٥١٥. الطبرسي ، مجمع البيان : ٥/٣٧.
(٣) ظ : ابن منظور ، لسان العرب ٢٠/٢٥٨.
(٤) ظ : المؤلف ، ظاهرة الوحي والمستشرقون. « بحث » في كتاب : ( المستشرقون وموقفهم من التراث العربي الإسلامي ) وقائع المؤتمر العلمي الأول لكلية الفقه : مطبعة القضاء ، النجف ، ١٩٨٦ م.
(٥) الراغب ، المفردات : ٥١٥.
(٦) ظ : الطبرسي ، مجمع البيان : ٥/٥٢٦.