والبغي أشدُّ صور البغض ، وحديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حول عمّار بن ياسر ـ كما تقدم ـ واضح الدلالة في أنّه سيُقتَل من قبل الفئة الباغية الناكبة عن الطريق ، وقد أُلقيت الحجّة على معاوية وابن العاص ، وهي واضحة لا لبس فيها ولا غموض ، كما جاء في الرواية التالية : ( وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعمّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية ... » فكان ذو الكلاع يقول لعمرو : ما هذا ويحك يا عمرو ؟ فيقول عمرو : إنّه سيرجع إلينا ، فقُتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية ، وأُصيب عمّار بعده مع الإمام عليّ عليهالسلام ، فقال عمرو لمعاوية : ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشد فرحاً ... والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ ) (١).
وهذه الرواية تبيّن لنا أنّ الحقّ واضح حتى عند معاوية وابن العاص ، فلا مجال للاجتهاد بعد وضوح الحجّة.
رابعاً : الاعتراف ببطلان الموقف :
اعترف عمرو بن العاص ببطلان موقفه من الإمام عليّ عليهالسلام ، كما ظهر في كلامه مع معاوية حيثُ قال له : ( أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة فانّ في النفس من ذلك ما فيها ، حيثُ نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته ، ولكن إنّما أردنا هذه الدنيا ) (٢).
واستشار ابن العاص ولديه ، فأشار عليه عبدالله بعدم الالتحاق بمعاوية ، وأشار عليه محمد بالالتحاق ، فقال ابن العاص : ( أما أنت
__________________
(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١١.
(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦١. والكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٦.