فقد بيّن سبحانه أنّ بعد انقضاء حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في الدنيا ستحدث فتنة ، وهي الانقلاب على الأعقاب ، وستحتفظ فئة بثباتها ويقينها وهم ( الشَّاكِرِينَ ) كما هي العادة والسنّة في الأمم السابقة بعد انقضاء حياة رسلهم ، وهي سنّة تاريخيّة ، ولإثبات هذه الحقيقة قال تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) (١) فحدوث ما كان من أمر الخلافة أمر ليس بعزيز وله نظائر كثيرة في التاريخ كما حدّثنا القرآن الكريم.
أمّا سبب هذا الاختلاف فهو الظلم المتمثّل في الكبر والحسد اللذين كانا أُسّ الشقاق والمعصية منذ بداية الخلقة.
وشاهد ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في باب قول المريض قوموا عنّي : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ثمّ لمّا حضر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » ، فقال عمر : إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ، فاختلف أهل البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغو
_____________________
(١) سورة البقرة : ٢٥٣.