ولكن لا يخفى أنّه ليست الحقوق مصدرها الوحيد الطبيعة ، باعتراف حتى القانونيين الوضعيّين وعلماء الحقوق المحدثين الآن ، بل لها مصادرها الاُخرى : الغايات الكماليّة ، نظام المصلحة الاجتماعيّة ، وصاية السماء بسبب الخالقيّة والربوبيّة كما هي في الملل والشرائع السماويّة الإلهيّة ، وغيرها من المناشئ الأُخرى.
فحينئذٍ يجب أن يكون هناك توفيق بين هذه المناشئ المختلفة ، وإذا كان هناك نوع من التوفيق بين المناشى المختلفة ، سواء بسبب التزاحم ، أو بسبب تضارب الجهات ، أو ليس تزاحماً وإنّما هو نوع من التهذيب والتكميل ، فمن الخطأ إذاً أن ننظر من منطلق ومنشأ معيّن ، هذه نقطة أُولى تؤاخذ على هذه المقولة.
والنقطة الثانية التي تؤاخذ على هذه المقولة ، هي كما ذكرنا أنّ الطبيعة عندما تكون منشأ للحقّ ، غالباً لا ترسم حدّ وإطار ودرجة معيّنة للحقّ ، وإنّما تكون منشأ الحقّ بشكل مبهم غائم ، لابدّ من ضبط هذا الحدّ للحقّ الناشئ من الطبيعة وصياغته. وهذه الصياغة إمّا تكون بالوضع ، أو التجربة ، أو بوصاية السماء لمن يدين بالتوحيد.
فصرف كون الحقّ ناشئاً من أمر طبيعي ، وهو وجود تكويني لا يقبل الجعل الشرعي ، فيه هذه المغالطة ، حيث إنّ الجعل الشرعي ليس بمعنى نسف ذا الحقّ الطبيعي وإلغائه ، بل بمعنى تأطيره وتحديده والكشف عن حدوده التي لا يتوصّل إليها العقل البشري المحدود ، ولا تتوصّل إليها التجربة بمرور الزمان ، بل لابدّ من وصاية السماء في الكشف عن حدود ودرجات تلك الحقوق التي تنشأ من الطبيعة.