ثمّ إنّ التزاحم والتوفيق بين تلك الحقوق الطبيعيّة والحقوق الأُخرى كيف ترسم ؟ صرف دعوى أنّ الطبيعة منشأ الحقّ ولتكن صحيحة ، ولكن كيف يوفّق بينها وبين بقيّة الحقوق الطبيعيّة نفسها ، أو بين الحقوق الطبيعيّة والحقوق التي لها منشأ آخر ؟ فإذاً هذا المنطق في القانون الوضعي نفسه مرفوض ، بأن نقول : إنّ الحقوق الطبيعيّة غير قابلة للجعل والتقنين المنظّم.
النقطة الثالثة : أنّه في القوانين الوضعيّة نجد أنّ هذه الحقوق الطبيعيّة من مشاركة الناس ، قد اختلفت صياغات القانونيّين الوضعيّين وإلى يومنا هذا فيها ، ولِمَ جعلت لها صياغة مجعولة تقنينيّة ؟ ذلك لأجل أن يؤطّروها ويهذّبوها ويبرمجوا كيفيّة تولّد الحقّ من هذا المنشأ الطبيعي.
فحينئذ كون الحقّ متولّداً من الطبيعة ، لا يعني استغناءه عن الجعل والتشريع ، وتأطيره وتحديده وتهذيبه وملائمته مع حقوق أُخرى ، هذا فضلاً عن أنّ في النظام الاجتماعي لا نسلّم بأنّ التدبير والإدارة كلّها لها طابع تكويني ، لو كان كلّها لها طابع تكويني طبيعي لما كان هناك مجال لمنطقة التقنين وما يسمّى بالاعتبار القانوني ، بينما يرى أيّ حقوقي وأيّ قانوني أنّ الاعتبار القانوني أو الإنشائي أمر مفروغ عنه وضروري في تدبير النظام الاجتماعي.
فمّما يدلّل على أنّه هناك مساحات أُخرى
لا تملأ إلّا بالاعتبار القانوني ، كما عبّر العلّامة الطباطبائي رحمة الله عليه في رسالة