الله وشأنهم ولبسهم شيعاً ، وأذاق بعضهم باس بعض ، فكان خليفة يوافق هؤلاء فيذيق مخالفيهم العذاب الأليم ، ويخلفه الآخر ، وينقض ما فعله الأول وينكل بهؤلاء ، ويوطىء شأن هؤلاء حتى استحكم الشرّ ، وصار الناس شيعاً.
نجد أحدهم ينتقل من مذهب إلى آخر بسبب شيخ ، أو دولة ، أو غير ذلك من الأسباب الدنيوية ، والعصبيّة الطبيعيّة كما رووا أنّ ابن عبد الحكم أراد مجلس الشافعي بعد موته فقيل له ، قال الشافعي :
الربيع أحق بمجلسي ، فغضب وتمذهب لمالك ، وصنف كتاباً سمّاه :
( الرد على محمد بن إريس فيما خالف فيه الكتاب والسنة ).
هكذا ذكره ابن السبكي.
وقد علم الله والراسخون في العلم أن الحق لم يكن برمته عند فرقة ، والباطل عند البواقي ، ولكن الحق والحمد لله لا يخرج عن مجموعهم ، وما الحق كلّه إلاّ عند من بقي على ما كان النبي صلّى الله عليه وسلم ، ولا بدّ له من الخطأ في اجتهاداته في المسائل المعفوّ عن الخطأ فيها ، لا في المهمّات.
وقل لي : من ذا الّذي وقف على ما وقف ، وقنع بما جاء عن الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم ولم يتمذهب ، ويؤثر الأسلاف على الكتاب والسنة ، ويترك هذا الداء الدويّ ، ويتمسك بالإنصاف فيما يأتي ويذر؟ لا والله ما أعرف أحداً في هذه الكتب التي طبقت البسيطة إلاّ وقد تخبط وخلط ، وتعسف لمذهبه وما أنصف ، وردّ كتاب الله تعالى إلى عقيدته وحرّف!
وبعد أن تكلم عن أحوال المتكلمين ، أخذ يبينّ أحوال المحدثين فقال :
وهؤلاء المحدّثون الذين يزعمون الثبوت على السّنة ، وينهون عن