للمصالح الدينية وبحسبها ، وإذا جاز في العقل اختلافها بحسب اختلاف الأزمان والمكلفين ، فما المانع من النسخ ، وهو سبب الإعلام بتجديدها ، وبالوصول (١) إلى العلم بها ، وبما تعلقت به المصلحة منها ، فيكون المنع منه تعويلا على أنه يؤدي إلى البداء باطلا ، لأنه يخالفه حدا وشرطا ، والفرق بينهما ظاهر ، ولو كان نسخ الشرائع (٢) بداء أو مؤديا إليه ، لزم مثله في كل ما تجدد من أفعاله تعالى ، وحصل بعد غيره ، كالموت بعد الحياة ، والسقم بعد الصحة ، والضعف بعد القوة ، والغلاء بعد الرخص ، وهلم جرا.
وإذا لم يكن في شيء من ذلك ما يؤدي إليه ، ولا ما يقتضيه ، فنسخ الشرائع أولى أن لا يلزم عليها ما يؤدي إليه ولا إلى غيره ، لتعلق الجميع بداعي الحكمة التي يستحيل منافاتها ، وإذا ساغ النسخ عقلا فلا مانع منه شرعا (٣) ، لأنه لا حجة لمانعية فيما احتجوا به من النقل ، لكونه من أضعف رواية آحادهم التي لا سبيل لهم إلى تصحيحه ، ولا إلى إثبات كونهم متواترين به ، للعلم الضروري بارتفاع شروط التواتر عنهم بل استحالتها فيهم ، ولو لم يكونوا كذلك كان احتمال ما تشبثوا به من نقلهم للتأويل ولزوم حمله عليه ، لئلا يرجع بالقدح على نبوة نبيهم ، مسقطا للاحتجاج به ومغنيا عن النظر فيه.
__________________
(١) في « أ » : وبالأصول.
(٢) في « ج » : فسخ الشرائع.
(٣) في « ج » : فلا مانع عليه شرعا.