بقدرته في سمائه وأرضه فوق العباد ، وقد صرّح عنه بكلامه فصيح المنادي ، فأسمع من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد من الحاضر والبادي « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » (١) و « إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ » (٢).
هذا وأنّ بعض إخواننا في الدين قد ألّف رسالة في حلّ الخراج وسمّاها « قاطعة اللجاج » وأولى باسمها أنّ يقال : مثيرة العجاج كثيرة الاعوجاج ، ولم أكن ظفرت بها منذ ألّفها إلّا مرّة واحدة في بلد سمنان ، وما تأمّلتها إلّا كجلسة العجلان ، فأشار إليّ من يجب طاعته بنقضها ليتخلّق من رآها من الناس برفضها ، فاعتذرت بأعذار لا نذكر (٣) الآن ، وما بلغت منها حقيقة تعريضية بل تصريحية بأنواع التشنيع ومخالفته في ذلك ، فلمّا تأمّلته الآن مع علمي بأن ما فيها أو هي من نسج العناكب ، فدمع الشريعة على ما فيها من مضادّها ساكب ، وهو مع ذلك لا يألو جهدا بأنواع التعريض بل التصريح بما يكاد يخفى مقصده فيه على أهل البصائر ، ومن هو على حقائق أعوار المقاصد عاثر ، لكن المرء المؤمن يسلّي نفسه بالخبر المنقول عن أهل المآثر عليهمالسلام : لا يخلو المؤمن من خمس ـ الى أن قال ـ : وهو مؤمن يؤذيه ، فقيل : مؤمن يؤذيه! قال : نعم وهو شرّهم عليه لأنّه يقول فيه فيصدّق (٤) وفي قوله تعالى « وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٥)
__________________
(١) الفجر : ٦ ـ ١٤.
(٢) غافر : ٥١.
(٣) الصحيح « لا نذكرها ».
(٤) مشكاة الأنوار ـ ص ٢٨٥ ـ الفصل الخامس ـ في ذكر ما جاء في المؤمن وما يلقى من أذى الناس وبغضهم إيّاه وفيه لا ينفك المؤمن من خصال اربع : من جار يؤذيه وشيطان يغويه ومنافق يقفو أثره ومؤمن يحسده قال سماعة : قلت جعلت فداك مؤمن يحسده قال يا سماعة اما انه أشدهم عليه قلت وكيف ذلك؟ قال لأنه يقول فيه فيصدق عليه.
(٥) آل عمران : ١٨٦.