فعلى هذا ، لا يظهر من هذه الأخبار ما يعارض أدلّة المشهور الصريحة في أنّ وجوب الصوم والإفطار منحصر في الرؤية ، فلا شكّ في أنّ المراد والمتبادر الرؤية حقيقة ، لا حكم الرؤية.
وكذا الحال في ثبوت الرؤية بشهادة العدلين أو الشياع ، سيّما مع صراحة بعض الأخبار بعدم العبرة برؤية الهلال قبل الزوال في وجوب الإفطار والصوم بالنسبة إلى الليلة الماضية ، بل يجب الإبقاء إلى الليل (١).
والباقي في غاية القوّة من الدلالة ، بل لعلّه يحصل اليقين ، بل ربّما كان مراد السيّد رحمهالله أيضا ذلك ، ولذا يحكم بكون المخالف كافرا حقيقيّا بالكفر الإسلامي (٢) ، ومع ذلك لا يجري فيه جميع أحكام الكفر ، بل أحكامه الظاهرة ، مثل : وجوب القتل والسبي واستحلال الأموال وأمثال ذلك ، بل الأظهر أنّ مراده ذلك إن ثبت هذا القول منه ، توفيقا بينه وبين تصانيفه المعروفة وأقوال الشيعة ، لأنّه رحمهالله في جميع كتبه موافق للمشهور.
إلّا أنّه نقل عنه أنّه قال ذلك في بعض مسائله ، وقال : إنّه مذهبنا (٣) ، والظاهر منه كونه مذهب الشيعة ، وكيف يكون مذهب الشيعة ، مع أنّه بنفسه لم يقل به في كتبه المعروفة؟! فما ظنّك بغيره ، إذ لم يوافقه أحد ممّن عاصره ، ولا من تقدّم عليه ، ولا من تأخّر عنه ، بل ادّعوا الإجماع على خلاف ذلك ، ولا شكّ في أنّه في زمن السيد رحمهالله لم يكن ذلك مذهب الشيعة حتّى يقول مذهبنا ، إذ لو كان كذلك لشاركه واحد من الشيعة ، بل هو ما شارك نفسه في كتبه.
فتعيّن أنّ مراده رحمهالله إمّا ذلك أو ما تقدّم من أنّ المراد الغالب كذا ، لأنّ
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٠ / ٢٧٨ الباب ٨ من أبواب أحكام شهر رمضان.
(٢) لاحظ! روض الجنان : ١٦٣ ، كشف اللثام : ١ / ٦٨ ، الحدائق الناضرة : ٥ / ١٧٦.
(٣) المسائل الناصريّة ـ ضمن الجوامع الفقهيّة ـ : ٢٤٢ المسألة ١٢٦.