نقلنا عنه ـ أنّه قال بعدم جواز بعض العبادات كالصوم المندوب في السفر ، أو كراهته اصطلاحا مع عدم رجحانه بحسب الذات أيضا فلا ينعقد عبادة ، ونيّة عباديّته تشريع حرام.
ثمَّ قال : ( وكأنّه رحمهالله ظنّ أنّ المعنى المصطلح لا يكاد يجتمع مع رجحان العبادة في نفسه ، فاختار عدم الجواز أو عدم الصحّة عبادة ، وقد عرفت تصحيحه ، فتدبّر ) (١). انتهى.
فلا يذهب عليك أنّ ما نسب إليه من حديث النيّة والتشريع فهو وإن كان قد ذكره رحمهالله ، لكن قد عرفت أنّ قوله : ( فتأمّل ) كأنّه إشارة إلى اندفاعه ، يشهد بذلك قوله بعد ذلك : ( فالظاهر. إلى آخره ).
وأمّا ما نسب إليه من اعتقاد عدم رجحانه بحسب الذات أيضا.
ففيه ، أنّه إن أراد به رجحان أصل العبادة مع قطع النظر عن الخصوصيّة ، فليس في كلامه منه عين ولا أثر.
وإن أراد رجحان أصل العبادة لا يبقى مع الخصوصيّة ـ أي لا يترتّب على خصوص العبادة المكروهة ثواب أصل تلك العبادة أصلا ـ فإن استفاد ذلك ممّا ذكره من حديث النيّة ، فقد عرفت حقيقة الأمر ، وإن استفاد ممّا ذكره بعده من قوله : ( فالظاهر. إلى آخره ) ، ففيه ، أنّ الظاهر أنّ قوله بالحرمة أو الكراهة بالمعنى المصطلح لكن في جميع العبادات بمعنى المرجوحيّة على الوجه الّذي سبق على ما هو الظاهر من معنى قوله : الكراهة ، لا أنّ فيه ثوابا أيضا لكن أقلّ من ثواب تركه ، إنّما قال به ـ على ما يظهر من كلامه ـ في خصوص الصوم باعتبار ما عرفته ، أمّا احتمال الحرمة ، فلما أشار إليه من ورود النهي عنه كثيرا وظهور
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.