سنة اثنتين وتسعين ومائة من قبل المأمون (١). وكان طاهر بن الحسين (٢) لما نزل مرو من خراسان طلب رجلا يحدثه ليلة فقيل ما هاهنا إلا رجل مؤدب فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلاّم فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه فقال له : من المظالم تركك أنت بهذا البلد فدفع إليه ألف دينار وقال له أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب وليس أحب استصحابك شفقا عليك فأنفق هذا إلى أن أعود إليك فألف أبو عبيد غريب المصنف إلى أن عاد طاهر من خراسان ، فحمله معه إلى سر من رأى (٣) وطاهر هذا هو قائد من كبار قواد المأمون قد ولاه خراسان سنة خمس ومائتين (٤) أضف إلى ذلك أن أبا عبيد قد لازم عبد الله بن طاهر أيام مقامه واليا على خراسان من قبل المأمون إذ تولى عليها بعد وفاة والده سنة ست ومائتين (٥). قال ابن خلكان : وانقطع أبو عبيد إلى عبد الله بن طاهر مدة ولما وضع كتابه الغريب عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال : إن عقلا بعث صاحبه على عمل هذا الكتاب حقيق ألا يحوج إلى طلب المعاش وأجرى عليه عشرة آلاف درهم في كل شهر (٦) وهكذا يظهر بجلاء ووضوح مدى ما كان يتمتع به أبو عبيد من مكانة عالية لدى ولاة خراسان وأهلها.
٢ ـ بغداد :
لقد عاش أبو عبيد في بغداد دار السلام عاصمة الخلافة مدة من الزمن. قال الخطيب في تاريخه : كان قد أقام ببغداد مدة ثم ولي القضاء بطرسوس وخرج
__________________
(١) البداية والنهاية ١٠ / ٢٠٦.
(٢) طاهر بن الحسين : بن مصعب بن رزين بن أسعد بن زاذان أبو طلحة الخزاعي ، والي خراسان ، كان من رجالات الناس ، جوادا ممدّحا ، توفي بمرو سنة سبع ومائتين.
( انظر : تاريخ بغداد ٩ / ٣٥٣ ، ٣٥٥ ).
(٣) انظر : تاريخ بغداد ١٢ / ٤٠٥ ، ٤٠٦. سر من رأى : مدينة كانت بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة استحدث المعتصم بناءها. فسماها بذلك وكانت قبل تعرف بسامراء. ( معجم البلدان ٣ / ١٧٣ ، ٢١٥ ).
(٤) انظر : البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٥.
(٥) البداية والنهاية ١٠ / ٢٥٩.
(٦) انظر : وفيات الأعيان ٤ / ٦.