كفى ذلك ، ولو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا ، سواء كان المال أثمانا أو أعواضا وفيه قول آخر بالتفصيل.
أقول : قال الشيخ رحمهالله في المبسوط : لا يخلو مال الحقين من ثلاثة أحوال ، وعنى بذلك المال الذي للمكاتب على سيده والمال الذي للسيد على مكاتبه من ثلاثة أحوال : اما أن يكونا نقدين أو عرضين أو نقدا وعرضا ، فان كانا نقدين ، فلا يحتاج الى قبض الحقين معا ، بل يقبض أحدهما ماله من صاحبه ، ثم يرده عليه عوضا عماله في ذمته ، لان دفع العوض عن الدراهم والدنانير التي في الذمة يجوز.
وان كانا عوضين ، فلا بد أن يقبض أحدهما ثم يرد ما قبضه على الاخر عوضا عماله ، لان هذا العوض الذي في الذمة ثابت في أحد الحقين عن سلم ، فان المكاتب لا يجوز له أن يعوض ما في يده من المال وأخذ المال عن العوض الثابت في الذمة عن كتابه ، أو سلم غير جائز.
ثم قال رحمهالله : فاما اذا كان أحدهما نقدا والاخر عوضا ، فانه ان قبض صاحب النقد حقه ، لم يجز أن يدفعه عوضا عن العوض الذي في ذمته ، بل عليه تسليمه واقباضه. وان قبض صاحب العوض حقه ، جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه ، لما ذكرناه من التعليل (١).
وأقول : معنى هذه الجملة أن المكاتب لا يجوز له أن يبيع بالثمن المؤجل لما فيه من التغرير بالمال ، ويجوز أن يبتاع بالمؤجل لانتفاء التغرير حينئذ.
اذا تقرر هذا فنقول : هذا العوض الثابت في ذمة مولاه لا يجوز أن يكون ثمن مبيع باعه اياه ، اذ هو بيع بمؤجل ، فتعين أن يكون مبيعا حالا لم يقبضه المكاتب من سيده ، وبيع ما لم يقبض غير جائز عند هذا الشيخ رحمهالله ، ولهذا
__________________
(١) المبسوط ٦ / ١٢٤ ـ ١٢٥.