أقول : اختلف العلماء في حقيقة التسري ، فذهب أبو حنيفة ومحمد الى أنه عبارة عن الوطي والتحذير ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) ، محتجا بأن الجارية ضربان : سرية وخادمة ، فاذا حذرها ووطئ فقد ترك الاستخدام وتسرى وقواه في المبسوط ، واختاره المتأخر ، وهو أحد أقوال الشافعي.
وذهب في قوله الثاني الى أنه عبارة عن الوطي فقط ، وذهب في القول الثالث الى أنه عبارة عن الوطي مع الانزال ، وبه قال أبو يوسف ، وهو المذهب عند ، وقواه في المبسوط (٢) أيضا.
اذا عرفت هذا فنقول : منشأ نظر المصنف الالتفات الى أصالتي براءة الذمة وعدم الحنث ، ترك العمل بها في تحنيثه اذا وطئ وحذر ، لانعقاد الاجماع على أنه تسر ، اذ لا خلاف بين هؤلاء طرا أنه لو فعل ذلك كان متسريا ، وانما الخلاف في أنه لو حصل الوطي فقط ، أو الوطي والانزال هل يكون متسريا أم لا؟.
والالتفات الى أن الاحتياط يقتضي تحنيثه مع الوطي فقط ، أما أو لا فلتحصيل البراءة بيقين. وأما ثانيا فلان مع الاختلاف لا يأمن أن يكون الحق في أحد الاقوال لا بعينه ، واذا كفر مع حصول الوطي فقط كان عاملا بالاقوال جميعها ، فيجب عليه سلوك هذه الطريقة ، لقضاء العقل بوجوب سلوك الطريق المأمون دون غيره.
واعلم أن هذه المسألة فرضها الشيخ رحمهالله في صورتين : احداهما فيما اذا حلف ألا يتسرى ، ذكر ذلك في الخلاف (٣) الصورة الثانية فيما اذا قال : كل جارية تسريت بها فهي حرة ، ذكر ذلك في المبسوط.
ثم قال : فاذا قال ذلك نظرت ، فان لم يكن له جارية لم يتعلق به حكم ، فان
__________________
(١) الخلاف ٢ / ٥٨١.
(٢) المبسوط ٦ / ٢٥١.
(٣) الخلاف ٢ / ٥٨١ مسألة ١٠٦.