ومسّها ، فلم يبرح حتّى قتله نهشها ، ولو أنّهم عرفوها حقّ معرفتها لنظروا إليها نظر المريض إلى وجوه العوّد ، نظر الجزور إلى أشفار الجازر ، فلا سماعه يطيق إن ذُكر بين يديه ، ولا إذا اُحضر أمكنه النظر إليه.
قال بعض الصالحين : من عرف عفّ ، ومن عفّ خفّ.
عجباً لقوم يعجبون برأيهم |
|
وأرى بعقلهم الضعيف قصورا |
هدموا قصورهم بدار بقائهم |
|
وبنوا لعُمرهم القصير قصورا |
أجل إنّ عفّة النفس كرامة إنسانية ، وشرف نبيل ، وخلق رفيع ، وموهبة قدسيّة ، كان ولا يزال يتحلّى بها علماؤنا الأعلام ، فعلّمونا بسلوكهم وسيرتهم الحسنة كيف يكون طالب العلم عفيف النفس ، حتّى يحسبهم الجهّال أغنياء من التعفّف ، فيقارعون الفقر ويكابدون الحرمان ويصبرون على البؤس بعفّة نفس وسداد.
نقل المرحوم الاُستاذ جلال همائي خلال مقابلة إذاعيّة معه القصّة التالية : كنت مع آية الله الشيخ هاشم القزويني ندرس في إصفهان فترة شبابنا ، فذات يوم كنّا نتباحث في الدرس ، وإذا بالشيخ يغمى عليه ، فأتيت بالطبيب مسرعاً ، فسقاه الماء المحلّى بالسكّر ، فشرب قليلا ففتح عينه فجلس وفتح كتابه مباشرةً وهو يسألني : أين وصلنا في البحث؟ وكأنّه لم يحدث له طارئ! ثمّ الطبيب أشار عليَّ أنّ إغماء الشيخ من شدّة الجوع ، ناوله طعاماً في أسرع وقت ، فلمّـا حقّقت أمره وجدته لم يتذوّق طعاماً لمدّة يومين لشدّة الفقر وتعفّفه وعدم إخباره أحداً عن حاله وجوعه (١).
فلذّة العلم تغني طالب العلم ، وتعلّمه الإباء وعزّة النفس وصرف النظر عن
__________________
١ ـ تعليم وتعلّم : ٧٦ ، قصص وخواطر : ٢٤٦.