فعالم الدين لا بدّ له من أن يترفّع عن السفاسف ، مرفوع الهام محلّقاً في سماء العفّة والعزّة والإباء ، غنيّاً بقناعته وزهده وورعه ، وفي نفس الوقت الذي يحرص على أن يكون متواضعاً ، فإنّه يكون أبيّ النفس عزيزاً عفيفاً قنوعاً ، ويدع الدنيا لأهلها.
اُنظر إلى قدوة العلماء شيخنا الأعظم الشيخ الأنصاري (قدس سره) لمّـا دفع إليه أحد أثرياء إيران مالا ليبني به بيتاً أو يشتري بيتاً لسكنه ، فإنّه لعزّة نفسه لم يصرف ذلك المبلغ في شؤونه الخاصّة ، وإنّما صرفه جميعه في شراء أرض وبناء مسجد عليها وهو أحد المساجد المعروفة في النجف الأشرف باسم مسجد الشيخ الأنصاري.
وعندما رجع ذلك الثريّ من الحجّ أراه الشيخ الأنصاري ذلك المسجد وقال له : هذا هو منزلي الذي كنت أنت السبب فيه.
كان الشريف الرضي (رحمه الله) شديد الالتزام بمبادئ الدين الحنيف وأحكام الشريعة ، فكان شديد الاجتناب للتملّق والمداهنة ، ولم يقبل الصِلات والهدايا من الملوك والسلاطين ، فكان عفيف النفس عالي الهمّة لم يقبل من أحد صلة ولا جائزة.
يقول أحد الوزراء المعاصرين للسيّد الرضي (رحمه الله) :
ولِد للسيّد الرضيّ مولود ، فأرسلت إليه ألف دينار في طبق على ما هو المتعارف في مثل ذلك ، فردّه الرضيّ قائلا : الوزير يعلم أنّي لا أقبل من أحد شيئاً. أرسلت ذلك الطبق ثانيةً وقلت : إنّ هذا المبلغ للمولود ولا علاقة لك به ، فردّه ثانيةً وقال : أطفالنا أيضاً لا يقبلون من أحد شيئاً. أرسلته إليه ثالثةً وقلت : إعطِ هذا المبلغ للقابلة ، فردّه وقال : إنّنا أهل بيت لا نطلع على أحوالنا قابلةً غريبة ، وإنّما عجائزنا يتولّين هذا الأمر من نسائنا ، ولسنَ ممّن يأخذن اُجرة ، ولا يقبلنَ صلة. أرسلته إليه رابعةً وقلت : هذا للطلاّب الذين يدرسون عندك ، فقال السيّد الرضيّ :