ها هم الطلاّب جميعاً حاضرون ليأخذ كلّ منهم ما يريد. عندها قام أحد الطلاّب وتناول ديناراً واقتطع منه مقداراً احتفظ به ثمّ ردّ الباقي إلى الطبق. وسأله السيّد الرضي عن سبب ذلك فقال : احتجت البارحة شيئاً من الزيت للمصباح ولم يكن المتولّي لنفقة المدرسة موجوداً ، فاستدنت من البقّال حاجتي من الزيت ، وقد أخذت هذا المقدار من الدينار لأداء ديني هذا ، ثمّ ردّ الطبق.
بعد ذلك أمر السيّد بأن يكون مع كلّ طالب من طلاّب المدرسة مفتاح لصندوق ماليّة المدرسة ليأخذ حاجته عند الضرورة ، ولا يضطرّ أحد لمراجعة المسؤول عن ذلك (١).
وهذا شيخنا القمي صاحب مفاتيح الجنان ، في إحدى السنوات طلب أحد المحسنين من المحدّث القمّي أن يقبل التزامه بدفع مبلغ خمسين ديناراً عراقياً بإزاء مجلس وعظ المحدّث وخطابته ، وكان مصرف المحدّث آنذاك شهرياً ثلاثة دنانير ، إلاّ أنّه رغم ذلك قال لهذا المحسن : أنا أرتقي المنبر لأجل الإمام الحسين (عليه السلام) ، ورفض قبول ذلك المبلغ.
هكذا كان سلفنا الصالح ، إلاّ أنّه نسمع اليوم بين آونة واُخرى ما يحزّ القلب ويقطع أنياطه ، بأنّ فلان خطيب معروف يتعامل مع صاحب المجلس على منبره ، وفي بعض الأحيان لا يتّفق معه ، لأنّ هناك من يعطيه أكثر منه.
يحكى أنّ العالم الشيخ رضا الاسترآبادي قال : أيّام إقامتي في كربلاء والتشرّف بملازمة الوحيد البهبهاني ، جاء أحد التجّار للزيارة وأحضر قطعة قماش ثمينة هديّة لسماحته ، وحيث إنّه كان قد سمع أنّه لا يقبل شيئاً من أحد ، فقد حاول أن
__________________
١ ـ سيماء الصالحين : ٣٣٧ ، وفيه قصص بديعة في هذا المضمون ، فراجع.