وينبغي له التعفّف عن السؤال ما استطاع ، فإنّه فقر معجّل وحساب طويل لعدم خلوّه من الآفات غالباً ، إذ هو متضمّن للشكوى وذهاب ماء الوجه ، والذلّ عند غيرالله وإيذاء المسؤول ، وإعطائه استحياءً أو رياءً أو إلجاءً أمر يورث شتم السائل وإيذاءه ، إلى غير ذلك من الآفات ، ولذا روي : « أنّ مسألة الناس من الفواحش » ، نعم لو كان في مقام الاضطرار ، فله ذلك ، بل قد يجب ، إلاّ أنّ تشخيص درجات هذه المقامات في غاية الإشكال والصعوبة (١).
هذه بعض النماذج والوصايا من سيرة علمائنا الأعلام في عفّة النفس وعزّتها ، والعفّة تعدّ من اُمّهات الأخلاق الحسنة ، كما جاء في المحجّة البيضاء ، قال بعض الأعلام :
« كما أنّ حسن الصورة الظاهرة مطلقاً لا يتمّ بحسن العينين دون الأنف والفم والخدّ ، بل لا بدّ من الحسن في جميعها حتّى يتمّ حسن الخلق ، فإذا استوت الأركان الأربعة واعتدلت وتناسبت حصل حسن الخلق ، وهي : قوّة العلم ، وقوّة الغضب ، وقوّة الشهوة ، وقوّة العدل بين هذه القوى الثلاث ، وحسن القوّة الغضبيّة واعتدالها يعبّر عنه بالعفّة ، فإن مالت قوّة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة سمّي ذلك تهوّراً ، وإن مالت إلى الضعف والنقصان سمّي ذلك جُبناً وخوراً ، وإن مالت قوّة الشهوة إلى طرف الزيادة سمّي شرهاً ، وإن مالت إلى النقصان سمّي خموداً ، والمحمود هو الوسط وهو الفضيلة ، والطرفان مذمومتان. والعدل إذا فات فليس له طرفان زيادة ونقصان ، بل له ضدّ واحد وهو الجور ، وأمّا الحكمة فيسمّى إفراطها عند الاستعمال في الأغراض الفاسدة خبّاً وجربزة ، ويسمّى تفريطها بلهاً ، والوسط هو
__________________
١ ـ سيماء الصالحين : ٣٤٩.