وما أجمل المنطق الذي تحلّى به شيخنا الأعظم الأنصاري ، حينما اجتمع تجّار بغداد يوماً وجمعوا من أموالهم مبلغاً ، فجاؤوا به إلى الشيخ وقالوا : هذا المال ليس من الحقوق الشرعيّة (الخمس والزكاة) ، إنّما هو تبرّع وهديّة منّا إليك لتحسن به معيشك وترتاح في أواخر عمرك. رفض الشيخ ذلك وقال : يؤسف عليّ بعد عمر من مواساة الفقراء أن أعيش غنيّاً في آخر العمر ، فيمحى اسمي من قائمة الفقراء ، وأتخلّف عن مكانتهم السامية التي أعدّها الله لهم يوم القيامة في جنّة عرضها السماوات والأرض (١).
وإليك هذه الحكاية الرائعة عن سلوكيّة مرجع من مراجعنا العظام : حكى أحد العلماء : كنت جالساً قرب تلّ الزينبيّة وبجانبي رجلٌ واقف ، وفي الأثناء وقعت عيني على المرحوم آية الله العظمى السيّد أبي الحسن الإصفهاني أكبر مرجع زمانه للشيعة ، قد خرج مع مرافقيه من حرم الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، والتفتّ فجأة إلى الرجل الذي كان واقفاً عندي فرأيته انطلق منفعلا نحو السيّد الإصفهاني وهو يقول بصوت عال : « سوف أشتمه بئس شتيمة » وبعد دقائق رأيته عاد باكياً عليه آثار الخجل والندامة! سألته عن السبب لهذه المفارقة بين الموقف الأوّل وهذا الموقف؟ فأجاب : لقد شتمت السيّد حتّى باب منزله ، وعند الباب طلب منّي الانتظار ، فرجع وبيده مبلغاً من المال ، أعطاني ذلك وقال لي : راجعنا لدى كلّ مضيقة تعترضك ، إذ أخشى أن تراجع غيرنا فلا يقضي حاجتك ، ولي إليك حاجة ، هي أنّني أتحمّل كلّ شتيمة موجّهة إليَّ شخصياً ، ولكن أرجوك أن لا تشتم عرضي وأهل بيتي ، فإنّي لا أتحمّل ذلك (٢). وبمثل هذا الخلق الرفيع تغيّر الرجل.
__________________
١ ـ المصدر : ١٩٨.
٢ ـ قصص وخواطر : ٢٢٢.